الاثنين، 30 نوفمبر 2015

حفل توزيع جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال/ الدورة التاسعة لعام 2014

تحت رعاية الأميرة ريم العلي وبدعوة من مؤسسة عبد الحميد شومان يقام حفل توزيع جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال/ الدورة التاسعة لعام 2014، وذلك الساعة السادسة والنصف من مساء يوم الاثنين المقبل في مركز هيا الثقافي.
وقد توصلت لجنة تحكيم جائزة أدب الأطفال الى اختيار الفائزين بالجائزة لدورة العام 2014 في موضوع الجائزة المعلن (القصة لمرحلة الطفولة المبكرة) كما يلي: منح نصف المرتبة الأولى للجائزة للعمل المعنون «حين أكبر» لمنار محمد يعقوب عن النص. وهو يدور حول المعرفة في الوقت المناسب بأسلوب جديد ومشوق مع نهاية مدهشة وغير متوقعة. منح نصف المرتبة الثانية للجائزة للعمل المعنون «خربشة» لرناد جلال حامد عن القصة. والذي يتألف من مجموعة من الصور والرسومات تروي أحداثا متتالية دون نص مكتوب يتناول فرح الطفل وحريته في التعبير ضمن عالمه الخاص المختلف عن عالم الكبار. منح المرتبة الثالثة من الجائزة للعمل المعنون «10 أرجل» لأنس فايز أبو رحمة. لعنصر التشويق ولغرابة الفكرة ولتحفيز التوقع والخيال الذي تثيره أحداث القصة ولرسومه اللطيفة.
وحول أهمية الجائزة قال السيد عبدالرحمن المصري، أمين سر الجائزة: «أنشئت جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2006 بهدف الإسهام في الارتقاء بالأدب الذي يكتب للأطفال لتحقيق الإبداع والتطوير المستمرين فيه ولتنمية روح القراءة والمطالعة لديهم وللإسهام في دعم مسيرة الطفولة العربية». وقد نظمت المؤسسة يوم أمس لقاء مهنياً للأعمال التي شاركت في الجائزة، وستنظم لقاء آخر اليوم.
ومن الجدير بالذكر أن مؤسسة عبد الحميد شومان أسسها ويمولها البنك العربي منذ عام 1978 وأطلق عليها اسم مؤسس البنك، لتكون مؤسسة لا تهدف لتحقيق الربح تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي، الأدب والفنون، والتشغيل والإبداع.

 

الأحد، 29 نوفمبر 2015

من وراء القضبان


بقلم :    سهيل ابراهيم  عيساوي .

                                                        الكاتب  سهيل عيساوي
 
الكاتب سمير الفيل

في  غرفة التحقيق أغمي على أحمد ، بينما كان المحقق صاحب العضلات المفتولة والعيون النارية ،والصوت المجلل والمقزز ،يمطره بالتهم التي تمزق روحه، عندها أحس أحمد ، أن الدنيا تطبق عليه بفكيها ، وجسمه يذوب على أرضية غرفة التحقيق ،أفاق في زنزانته المظلمة ،الملطخة بالأوساخ، تكاد تضيق بجسمه النحيل ،والأفكار السوداء الداكنة تتراقص في رأسه الصغير ،لم يدر بخلده أن يزج يوما في زنزانة ، ويقف في هذا الموقف المحرج ، فهو رجل مجتمع محترم ، مسالم ، يطعم العصافير كل يوم ، والقطط  تنظره بفارغ الصبر،  لتنال بعض قطع الدجاج الطازجة، خيل اليه أن الدنيا هي سجن كبير ، له الف الف باب وقفل، والطامة الكبرى أن الناس تعتقد أنها تسبح في جنة صغرى ،تذكر ضحكات صغيره تتراقص أمام وجهه الذي طبع بخرائط العالم القديم ،حاول أن يحرر دمعة يتيمة، لكن الدمع غاب في جب عينيه، دق بكفه الرقيق ،جدار الزنزانة ،مرات ومرات ، حتى تيقن ، لا أحد  يكترث به، أو يسمع لوعته ، ، في العتمة لمح قطرة دم تلمع ، عندها نادى بأعلى صوته باسم زوجته شريفة ..شريفة ...شريفة .

*******

 

النص مشترك  في  الورشة السردية (5) التي  ينظمها  الكاتب المصري القدير  سمير الفيل


تحليل  للقصة  بقلم : الناقد  المصري الكبير  سميل الفيل 

بطل قصتنا هذه شخص سوي ، محترم بكل معنى الكلمة ، يفيض إنسانية ، فهو على سبيل المثال يطعم العصافير كل يوم ، وتنتظره القطط بلهفة كي تنال منه قطع الدجاج الطازجة.

هو الآن يمر بتجربة قاسية ، داخل زنزانة ضيقة ، حيث يمارس عليه المحقق كل أدوار الترهيب ، والتهم تحاصره من كل جانب .

" أحمد" بطل النص ، يشعر بالألم الشديد وجسده الضعيف يكاد يذوب على أرضية غرفة التحقيق ، فيما تحاصره الجدران الصماء البليدة ، بصمتها الذي لا تخترقها صرخاته الواهنة .

هو في قبضة من لا يرحم ، والتهم تمزق روحه ، والأفكار السوداء تتراقص في رأسه ، فهو لا يستطيع أن يجد سببا للمحنة التي يمر بها ، ولم يمر بباله أن يخضع لتلك التجربة المهينة.

بطل سهيل عيساوي ، في ارتباطه بالعالم المادي يتعثر حين توخزه الأسئلة ، وينبع من داخله إحساس متزايد بالاغتراب ، حيث لا معنى لما يحدث معه. لا معنى بتاتا .

السلطة القاسية المدججة بمظاهر العنف والقوة تحاصره ، وحدها تعرف تهمته ، فيتأكد مرة أخرى أنه يعيش في سجن كبير.

وينتقل الشعور بالألم إلى مستو آخر حيث الإحساس الأقوى باللامعنى ، حين تسقط دمعة من مآقيه ، يمسحها بكفه الرقيق . وفي العتمة تتساقط قطرة دم ، عندها ينادي على زوجته ، علها تنقذه من مصيره المؤلم.

ملاحظتنا الأولى حول النص ، أن الكاتب لم يحدد لنا تهمته فهذا لا يعنيه ، الملاحظة الثانية هي تصاعد وتيرة الضغط على المتهم دون إدراكه سبب محاصرته، أما الملاحظة الثالثة والأخيرة فهي أننا إزاء شخص رقيق لم يمر بمحنة مماثلة. الشيء الذي يرشحه للسقوط الكلي في براثن الموت. كأنه قدر لا فكاك منه.

القضاء السعودي يحكم على شاعر فلسطيني بالاعدام بسبب ابيات شعرية

الشاعر والفنان التشكيلي الفلسطيني اشرف فياض المسجون في السعودية منذ اكثر من عام ونصف حكم عليه امس بالإعدام بذريعة إصدار ديوان شعري التعليمات بالداخل و التحرش بالذات الإلهية. اعتقال فياض تضامن معه كتاب وشعراء وفنانين سعوديين ونشطاء حقوق انسان، وحسب ذويه فان اعتقاله جاء نكاية من بعض السعوديين حيث انه معروف انه سعودي مع انه فلسطيني من النازحين ولا يحمل  الجنسية السعودية.

وبين والد أشرف أنه ابنه في السجن حتى الآن «ونحن نقوم بزيارته بين حين وآخر وحالته صعبة جداً، ونحن في البيت نفتقده كوني كبيراً في السن وأبلغ من العمر 83 عاماً وأشرف هو الذي يساعدنا ويلبي حاجاتنا، ونناشد ملوك آل سعود والحكومة السعودية بالتدخل لإطلاق سراح ابني أشرف».

لقد ادعى الشخص الذي اشتكى ضدّ فياض أمام المحكمة أنّه قد شتم الله علنًا. وقال رجلان من شرطة الآداب في المحكمة إنّ فياض يدعم قيما إلحادية، ويقيم علاقات غير شرعية مع النساء بل ويحتفظ بصورهنّ في جهازه النقال. ولكن نفى فياض المتفاجئ كل ما نُسب إليه، موضحا أنّه مسلم مؤمن وأنّه لا يؤمن بالإلحاد. وقد اعترف أنّه أقام علاقات مع بعض النساء، ولكنه أوضح أنّها علاقات صداقة وعلاقات مهنية مع زميلاته الفنانات، وأنّ الصور المحتفظ بها في جهازه النقال والتي نُشرت في موقع التواصل الاجتماعي إنستجرام تم تصويرها في أسبوع الفنّ في مدينة جدة - وهو الحدث الثقافي الأهم الذي يجري في السعودية.
 
 

يذكر أنه منذ الأول من يناير 2014  يقبع أشرف فياض في أحد سجون أبها، وكانت القصة بدأت في شهر رمضان الماضي، عندما تقدم أحد القراء بشكوى ضده اعتبر فيها أن بعض العبارات الواردة في ديوانه الشعري «التعليمات بالداخل» الصادر عام 2008، تنشر أفكاراً تدعو إلى الإلحاد، فتم توقيف أشرف بيد أنه أخلي سبيله بعد يوم واحد لعدم توافر الأدلة. والشاعر أشرف فياض ابن عائلة فلسطينية تعيش في المملكة منذ 50 عاماً. يذكر أن الشاعر أشرف فياض كان قد أدلى بتصريح إلى «الحياة» أكد بطلان التهمة وأنه بريء وديوانه لا يحمل أية إساءة.

يشار  الى  انه  تم  توجيه  العديد  من  الرسائل  من قبل أدباء  ونقابات أدباء في  العالم  العربي ، ونشطاء حقوقيين ، ومتصفحين ، الى  الملك السعودي سليمان  ،  من  اجل  العفو عن  الشاعر أشرف فياض ، على أمل ان  تثمر هذه الجهود بالإفراج  عنه .

روابط   هامة  حول  الحكم  وديوان

أرسل  الينا  الأديب  جمال الموساوي بالرسالة  التالية ، وفيها روابط  حول الموضوع  نضعها بين  ايديكم :

"أسعفتني متابعة قضية الشاعر أشرف فياض المحكوم بالإعدام في السعودية على خلفية تهمة الإلحاد بالعثور على نسخة pdf   من ديوانه "التعليمات بالداخل" موضوع التهم.

أضعه بين ايديكم لمن لم يطلع عليه بعد".

الرابط الذي عثرت فيه على الديوان:

http://monakareem.blogspot.com/2015/11/blog-post.html

الرابط المباشر لتحميل الديوان:

http://www.fichier-pdf.fr/2015/12/01/fichier-pdf-sans-nom/



 

 


 

السبت، 28 نوفمبر 2015

سيماء "الأنا "في قصيدةِ حاتم جوعيه " كفاح ثائر"


  -  

(  بقلم : الدكتور جميل الدويهي - لبنان - أستراليا )

شاعر وأديب وناقد - صاحب جريدة المستقبل التي تصدر في أستراليا  وموقع أفكار إغترابية  )  

 

   الأديب   الدكتور جميل الدويهي
 

        لا  شكّ  في أنَّ  الأنا  قيدمة  قدم  الإنسان ، وقد جعلها الرومنطيقيون  الحالمون أحدَ الأعمدة التي قامَ عليها أدبهم الحزين في الغالب . ( والأنا عند الرومنطيقي هي محاولة  لفتح  الكون  كما يصفها  إرنست فيشر ( ضرورة الفن ) . ثم جاء الرمزيون  فلم  يرفضوها  مطلقا ، وخصوصا عند  بودلير، والذي رأى في  العالم صورة  لنفسهِ :  " أنا  الجرح والسكين /  أنا الصفحة والخد / أنا أعضاء الجسد  والمبضع / الضحية والجلاد ".. ( قصيدة المدمّر نفسه )  .                                                                                والأنا  ليست دائما مُعَبِّرة عن ego  الآخر كما  يرى البعض، إذ  يعتبرونها  صورة  عن  الغرور  أو التكبُّر ،  فإذا  أحصينا  ألفاضَ  الأنا  عند   شعراء  لوجدناها  كثيرة جدا، ولعلّ  أصحابها  من  أبعد الناس عن الكبرياء  الفارغ ، ويخطىء من  يعتقدون  أنّ  الأنا  محصورة  بالرومنطيقيِّين ، فهي  ليست بضاعة خاصّة  ولا حقا  يختصُّ بكاتب أو  شاعر دون آخر .  وفي الإنجيل  المقدس مثلا  نعثرُ على الأنا  بأعداد  هائلة ، وكذلك في  كلام الأنبياء ، قبل ولادة الرومنطيقيَّة .

  وفي قصائدِهِ يعتمدُ  الشاعرُ  حاتم  جوعيه  على مقدار غنيٍّ من الأنا ، فقد وقعتُ  في العديد من أشعارهِ عليها ، إذ  يكونُ  المُحِبَّ  والثائرَ، والمتمرّد ، والمنتقدَ، والمتفاخر بشعرهِ ، وهذه الظاهرة شائعة لديهِ، ولستُ  أقدّر أنَّ هذا التفاخر  يبرز في حياتهِ  الخاصَّة ، فأنا  لستُ أعرفهُ  شخصيًّا ، وفي الوقت نفسه أرفضُ  ما  يميلُ إليه  بعضُ النقاد من إعتبار أنَّ الشعرَ صورة مطابقة للشاعر ، فجزء من الشاعر يظهرُ من مرآة القصيدة  وجزء آخر لا  يظهر، وليسَ كل  كا يقولهُ  الشاعرُ ينطبق على نفسِهِ . وقد  رأيتُ شعراء  يشيدون بالخمرةِ  ولا  يشربونها، ويطفئون سجائرَهم  غضبا في  بيت شعري  وهم  لا  يدخنون ، حتى  انَّ بعضهم  يروي مغامراته مع النساء ، ولعلَّهُ  لم  يعثر على امرأةٍ واحدة  تعشقهُ .  

    وما  يلفتُ انتباهي غالبا  في شعر حاتم  جوعية  أنه كثيرا ما يتحدَّثُ عن  أناه، وفي المقابل يصوِّرُ  أنا غيره في تعارض  تام ، ليبرزَ التناقض العميق  بين فئتين  من الناس . وفي قصيدتهِ " كفاح ثائر"  تتجلّى الأنا وتتصاعدُ من  لغةٍ رقيقةٍ  موحية  إلى لغةٍ هادرةٍ  مزلزلة ، فالقصيدةُ  تبدأ بتصوير الشاعر لنفسهِ على أنَّ النساء  مفتوناتٍ  بهِ  :  

 ما  زلتُ  حلمَ  الغيدِ ، كلّ  جميلةٍ          تبقى  الصبايا  الغيدِ  طوعَ   بناني 

 كم  من  فتاةٍ   في غرامي  تُيِّمَتْ           دومًا    تراني    فارسَ   الفرسانِ 

   الأنا هنا  نرجسيَّة ، إذ يتباهى الشاعرُ بما لديهِ من  جميل القيم التي تجعلُ الفتيات  ينجذبنَ إليهِ  ويتهافتن على حبِّهِ .  النرجسيَّة  هذه قديمة  قدم العهود  في الشعر  ، وقد عرفناها في الشعر العربي  عند امرىء القيس ، وعمر بن أبي ربيعة ونزار قباني..بل إنَّ قول جوعية :"ما زلتُ حلمَ الغيدِ كل جميلة "  يتوازى عفو الخاطر مع  قول  امرىء القيس : "

" لقد كنتُ أسبي الغيدَ أمرد ناشئا "  ( قصيدة  تعلق قلبي طفلة عريَّة )  .  وهذا  التوازي  ليس  مقصودًا، بل يأتي  تواردًا  بين  الشعراء  الذين  لديهم الشعور ذاته  بما  يصفهُ علماء النفس ، منذ  فرويد : بالأنا  العليا  . غير أنَّ ما  يلفتُ أنَّ  جوعيه  يسمو  بالشعر من فضاء الماديّة  إلى  فضاءِ  الروحيَّة  والقيم الإنسانيَّة ، فمحور الفخر ليس المظهر الجسدي  والوسامة ، بل  كون الشاعر " فارس الفرسان "، وهذا  الوصف هو المحط  والمحور في البيتين السابقين ، مع ما ينطوي  عليه من سمات  أخلاقيّة  ومعنويَّة  وفضائل .

    إنَّهُ نوعٌ  من الفخر الذي يتسمُ بالطرافةِ وتخففُ من غلوائهِ طلاوةُ الشعر  ورونقُ  الصياغةِ ، ويسترعي  في المكان نفسه  من القصيدة  وجود  معجم  لألفاظ  رقيقة غير صاخبة :  قلبي، مترع ، الآمال ، الإيمان ، ورود  فوَّاحة ، أريج النسمات...الخ .  وهذا المعجم بالذات  يؤكد على أنَّ الشاعر لم  يأخذ   نفسا عميقا بعد  ولم  يتطرق  إلى مواضيع  تقلقهُ ، فالقصيدة  لحن  يتصاعدُ  بهدوءٍ من الرقة إلى قمَّةِ الغضب والتحدِّي .القصيدةُ شجرةٌ  تترفع في همس  مع الرياح  ثمَّ في صراع  مع  الرعود  .

   والتحدِّي ليسَ منفصلا عن نقد المجتمع  وأناس  يتعارضون  مع  الشاعر  قلبا  وقالبا ، فهو في  مقلب  وهم  في مقلب آخر . أناس لا  ينحصرون  في  زمن  أو  عصر ،  بل  هم  يتكررون  خارج  محدوديَّة    الوقت  الجغرافيا . أناس  ينظر إليهم الشاعر نظرة  الضيق  والنفور ويكيل لهم  الهجاء، لكنه ليس هجاء  مبتذلا  ولا  مثالب  تطلق عشوائيا، بل هو مرحلة   متقدمة  من  نقد  جارح  يُصوَّب  إلى الضمير ويشير إلى الفساد  المتفشي  في المجتمع :

  لم   أكترث  لكلام   معتوهٍ   وَوَغ       دٍ   حاسدٍ .. ما   جاءَ   من   هذيانِ

  لم  أكترث   لسموم   نقد    أرعن        ما   ينفثُ   الأوباشُ   من   غثيانِ   

  كلٌّ   مريض   بالدَّناءَةِ    والأذى        باعوا  الضميرَ    بأبخسِ   الأثمانِ

  خسئتْ   تجارتُهُمْ   وخابَ  مآلُهُمْ        كانت    مكاسبُهُم    بسوقِ    هوانِ  

    لقد جسَّدَ الشاعرُ اختلافه عن فئةٍ من الناس  تعتمدُ الحسد  والنميمة سبيلا  للصعودِ، لكنهُ لم  يكترث لهم ، فتجارتهم خاسرة وتجارتهُ رابحة، ومكاسبهم  تباع  في سوق الهوان ، أمَّا  أعمالهُ   فمُتوَّجة  بالشرفِ .  وهنا تنفصلُ الأنا  عن الآخر في ردَّةِ فعل قويَّة، كما تنفصلُ الخمرةُ عن الماء حتى ما  يلائمها  لطافة ،   وكما  يفصلُ  إبنُ الرومي  نفسهُ عن  قوم  طاروا  و" لحقوا  خفة  بقاب العقاب، ورسا الراجحون من جلة الناس رسوّ الجبال ذات الهضاب" .   ولكن جوعيه  يختلفُ عن ابن الرومي إختلافا عميقا ، فقد  كانَ ابن الرومي كما يقول  طه حسين ( محاضرة  18 آذار 1933 ) يضمر انتقاما  اجتماعيًّا ، بمعنى أنه  كان  يعيب  على الناس غناهم  ويحسدُ  أصحاب  النعمة  الذين يتمتعون  بالحياة  بينما هو محروم من  هذه  المتعة ، أما جوعية  فلا  يشعرُ بالدونيَّةِ ، بل  يتمرَّدُ  بروح  عالية  على  أناس  لا  يستحقون  المراكز،  بل  يأخذونها  بالزحف  والتملق ، بينما  هو محروم  منها لأن  نفسه  كبيرة  ولا  يفعل مثلهم .

      أما  وجهُ الشبه  بين  ابن الرومي وجوعيه ، فهو أنهما لا  يصمتان عن العيوب ،  ويتصدَّيان  للشذوذ الإجتماعي  والأخلاقي  الضارب بين الناس . وخير تعبيرعن هذا الموقف  ما  قاله  إبن الرومي  نفسه :

  ولستُ    بهجَّاءٍ    ولكن    شهادة          لدَيّ     أؤَدّيها  ،   ولستُ   بآفكِ  

       إنها شهادة الحقيقة التي  يرفضُ الشاعرُ أن  يغضّ الطرف عنها، وهو رسول القيم  والمبادىء الجليلة .  ومن هذا  المنطلق الإيماني بوظيفة الشعر  كراصد للحياة ،  يقوم  جوعيه  بعمليَّة  فرز عمودي  بين  فئتين  من  الناس ، واحدة  تمثل  المرائين  والأنذال  وواحدة  تمثل  طينته  الشعريَّة  الصافية  التي ترقى  عن المادة  والتذلل ،  فاسمعهُ  يقول :  

  هذا    زمانٌ     للنذالة      والخنا        والحُرُّ      فيهِ    يكتوي    ويُعاني  

  أمَّا  الخسيسُ  مُبَجَّلٌ   ولهُ  الوظا        ئفُ ، ويحهُ  في مجمع   الخصيانِ

  نالَ  الوظائفَ   كلُّ  أكوع    آبق         بوشايةٍ        ولخدمةِ     الشيطانِ

  هذا  زمانُ الفاسقين  ومن  مشى          في   الخزي    والآثامِ    والبُهتانِ

  نامت  نواطيرُ الكرومِ  وأصبَحَتْ        كلُّ      الثعالبِ    ربَّة َ     التيجانِ 

  لكعُ  بن  لكع   صارَ  فينا   سيِّدًا         والآمرَ    الناهي     بكلِّ      مكانِ  

   في هذه الأبيات  القليلة تعبيرعن عالم  نعيشُ  فيهِ، فكم من الناس  يعانون بأفكارهم  النيِّرة  وغيرهم  يغتبطون  بجهلهم  وينالون المغانم . والشعر هنا ليس لوحة  فنية تخلو من العاطفة  ومن التفاعل مع الغير. الشعرُ هو المرآة،  هو الصوت والصدى . هو الصورة التي  تبدعها ريشةُ  فنان  لترسمَ  واقعا مخيفا على طريقة " غُويا  "، بل وجودا سيطرت  فيه حفنة من الناس  على دفةِ المجتمع ، وتصدَّرت وبغت  وتجبَّرت ، فالخسيسُ له الوظائف  والكبير  يطردُ عن أبواب المجامع ،  وهذا  ليس بعجيب في عصر المادَّةِ  والتهافت على  المال ، وقد  نامت   نواطير الكروم   كما   نامت  نواطير  مصر عن   ثعالبها في عصر المتنبِّي، وأصبحَ  لكع بن  لكع الآمر الناهي، وكم من  لكع  أصبحَ سيِّدًا في قومِهِ ، إذ  إنَّ  المقادير  تصيّرُ العييّ  خطيبا ،  حتى  وصلَ الأمر  بالبعض  إلى التباهي  بتيجان  ومناصب  ما هم  بأهل  لها ، وتسيَّدوا  وما هم  بأكثر من عبيد  لرغباتهم  وجبّهم لأنفسِهم .

   وفي مقابل  الهجوم اللاذع  الذي  يشنهُ  جوعيه  على الساقطين المتعالين ، حيث  يزخر معجمهُ  بألفاظ  الهجاء  القاسية ، والأوصاف  النافرة ، نراهُ   ينتقلُ  بلغةٍ  رقيقة  طيبة  للحديث عن   أناه :  " أنا  منشدُ الأحرار ، ضمير كلّ ملوَّع ومتيّم، سدُّوا أمامي كلَّ دربٍ للعلا ، لكنني العنقاء من بين  الرمادِ  أعود،هيهات أأكل خز سلطان طغى،هيهات أصمت صمت أهل الكهف.." .

    إنَّ هذه المواقف هي تفصيل لحالة الشاعر الحرّ الشريف الذي يرى نفسَهُ  غريبا  كصالح  في  ثمود، لكنهُ  ينتفضُ على الشعور  بالأسى  والإضطهاد  ليطير كالعنقاءِ  باتجاه  الشمس ، فالفكرُ  لا  تتسعُ  لهُ  الهياكل  ، والنورُ  لا تطفئهُ عتمةُ القلوب، والقويّ  يتمرَّدُ على الزمان والأقدار :

  هذا   زمانٌ   فيهِ   حقي   ضائعٌ        لكن     رفضتُ     أوامرَ   السَّجَّانِ

    لا  فضّ  فوكَ  يا  جوعيه  وأنتَ  تعبِرُ عن  كلّ  شاعر  ضاعت  حقوقهُ  وَطُمِسَت   أنوارُ  كوكبِهِ ، وأرادَ  الآخرون  تهشيمَهُ  وتهميشهُ ، كلي   يبقوا متحجّرين في مواقعهم كالقبور المكلّسة، لكنهُ أبدا يتمرَّدُ ويصرخُ  من وراءِ السجون ، وينيرُ  من خلفِ  الحجب ،  في  ثورةٍ هي ثورةِ الذات  بل  ثورة   الأوطان ، وهكذا تخرجُ  الأنا  من من كينونتها  المحدودة  لتصير أنا العالم ، ويصير نداءُ الشاعر نداءً  لكلِّ  حُرٍّ على سطح الأرض  ليقوم من كبوتِهِ ، فيحمل  سلاحَهُ  ويحقق  ربيعا طالما  سعت البشريَّةُ إليهِ  وهي  تتلوَّى تحت  سياط  الألم  والرعد ..ولعلَّ الربيعَ العربي الذي  يشيرُ إليهِ الشاعر في نهايةِ القصيدة  هو الأمل  المنشود ، على الرغم  من  نجاح  الأنظمة  العربيَّة  في  تصويرهِ على أنه جحيم ، لكي تخيِّرَ الناسَ  بين الإرهاب والنظام : حيلة  ما بعدها  حيلة  نجحت الأنظمة  للاسف  في  تسويقها ، حتى أنَّ  بعضها  جاء  بالمُتطرِّفين  لكي  يقول  للناس : " إمَّا  بقائي  في السلطة  وإمَّا خطرهم " ،   وهكذا  ينتصرُ في  حرب  لم يكن  مقدَّرا  لهُ  الإنتصار  فيها  إلا بهذا المكر  والخداع .

  إنَّ الربيعَ العربي تعرَّضَ لخضَّاتٍ مزلزلة، لكنهُ انتصرَ في تونس ومصر ، فلماذا يحيّدُ  أنصارُ السلطة الأنظار عن الواقع  لكي  يبقى الناس  في وهم وخيال ؟ وهل غيرُ الشاعر مَن  يضيىءُ على  حقيقة  حاولَ أعداءُ الحريَّاتِ  وحقوق الإنسان التعتيم عليها ؟ وهل غيرُ حاتم جوعيه من رفعَ صوتهُ عاليا    غير عابىءٍ بانتقاداتِ  المنتقدين  والمُخوّنين في لغتهم الخشبيَّة التي اهترأت  لكثرةِ الإستعمال ؟ بل هل غير حاتم  جوعيه ، الشاعر الشاب الثائر، الأنيق ، الصادق، الفنان الرقيق، المشاغب ، الرومانطيقي الحالم ، الواقعي الرامز ، من  ينتقل  من  موضوع  ذاتيّ  خاصّ إلى الموضوع  العام  الذي  يتصلُ بالمجتمع  والحريَّة والعدالة ، من غير أن يشعر المُتلقي بهذا الإنتقال . 

   وهكذا  ترتقي سيماء الأنا  في قصيدة  حاتم جوعيه  باستمرار من صورة الشاعر المحبوب لدى النساء ، إلى إبراز التناقض في المجتمع  بين إنسانين ، واحد يشبهه  والآخر يشبهُ  نفسه  فقط ، فتتباعدُ  أناهُ  عن  أنا  الآخر  كما  يتباعدُ  المُوجبُ  والسالبُ  في حركة  الكون ،  وصولا  إلى  ربيع  العرب  والأوطان الذي  يفرزُالليلَ عن النهار، ويضعُ حدًّا قاطعا  بين الأمس  والغد  . وفي الإنتقال  من  موضوع  إلى  موضوع  تحت  صرخةِ الأنا، لا  يشعرُ المتلقي بأنَّ الشاعرَ حمَلهُ من  جوٍّ إلى آخر، فلا نفور، ولا  تنافر، ولا شرخ في المعنى والتعبير، بل  دفق وانسياب كانسياب الفراشة في  حقول الربيع .  وبين هذا وذاك  تتأرجحُ  لغةُ  الشاعر  تارة  مع  العطر والنور ورقةِ النسيم  وطورا مع العاصفة التي لا تبقي  ولا  تذر .

 

 
الأديب  حاتم  جوعية

الجمعة، 27 نوفمبر 2015

عناقيد الفرح والفنانة التشكيلية داليا أبو هنطش


 
بقلم: زياد جيوسي
 
   زيارتي لعمّان الهوى عاصمة "أردن أرض العزم" حفلت هذه المرة بأطواق من جمال وفرح، فمن استقبال أمطار الخير إلى مشاهدة معرضين للفن التشكيلي، وكل منهما كان المعرض الأول الشخصي للفنان الشاب، وكلا المعرضين أثارا في الروح الرغبة بالكتابة، وبالنسبة لي لم أكن عرفت أياً منهما من قبل أو شاهدت له عملاً فنياً.
   داليا أبو هنطش فنانة تشكيلية شابة، كان افتتاح معرضها الأول في مركز الحسين الثقافي في رأس العين. وحقيقة، وبمجرد أن بدأت التجوال وتأمل اللوحات حتى شعرت أن هناك عنقودَ فرح يشدني للمعرض وتأمل اللوحات بتمعن.
   المعرض تكون من 27 لوحة، منها ثماني لوحات بالقلم الفحمي، وباقي اللوحات الـ 21 بالألوان الزيتية، واللوحات الثمانية الأولى احتوت على إطار جمع ثلاث لوحات تهمس همسة متواصلة، وكانت هذه المجموعة في نهاية عرض اللوحات، فأعطت رونقاً خاصاً لروح المتأمل.
   لوحات الفنانة يمكن تقسيمها لعدة مجموعات، كل مجموعة لها مدرسة ورونق خاص بها، والمجموعة الأولى هي اللوحات التقليدية (كلاسيك)، وهي من أربع لوحات، ركزت فيها الفنانة على الفاكهة بلوحة واحدة، وعلى الورود بثلاث لوحات، وتميزت هذه اللوحات بألوان الفرح، حيث ركزت على الألوان الحارة متدرجة بهدوء للألوان الباردة بتمازج منح اللوحات جواً من فرح يمنح روح المتأمل سكينة وهدوء، وبشكل عام فاللوحات التقليدية (الكلاسيك) تمنح المشاهد فرصة تأمل الجمال، ولكنها تفتقد دفعة للتحليق، والتفكر، وتحليل اللون، والفكرة.
   المجموعة الثانية كانت الطبيعة تطغي عليها، فاللوحات الست كانت تستلهم الطبيعة ما بين جمال وهدوء وعنفوان، والملاحظ أن البحر كان العامل المشترك في هذه اللوحات باستثناء لوحة واحدة كان بها نهر، علماً أن الأردن يفتقد البحر، والملاحظ أن إحدى اللوحات التي تصور مدينة تعانق الشاطئ كانت متميزة بهدوء مياه البحر، بينما كانت الغيوم في السماء وكأنها بدء انطلاقة لإعصار، فمازجت اللوحة بجمالية متميزة بين الهدوء المطلق للماء وثورة السماء، مع ملاحظة أن اللوحة احتوت على حافة الشاطئ بجوار مياه البحر أو البحيرة على أزهار وأعشاب جميلة طبيعية، ما أثار في ذهني السؤال: هل يمكن أن تنبت الأزهار والأعشاب اليانعة بجوار المياه المالحة مباشرة؟ إلا إذا أرادت الفنانة أن تشير إلى أن عناقيد الفرح تتغلب حتى على ملوحة الماء. وفي لوحة أخرى تميزت بثورة البحر في مرفأ يحتوي على مركبين شراعيين، وهذه اللوحة تميزت بتمازج الألوان فيها، ومشهد الموج المحاكي للموج في الطبيعة حتى يكاد المشاهد يتخيل أن موج البحر سيلامسه، بينما تميزت اللوحات الأربع الأخرى بالهدوء الذي يبعث الراحة في النفس.
  المجموعة الثالثة، وكانت من ثماني لوحات، تميزت بأنها فن تشكيلي يحمل في كل لوحة منها فكرة، وهذه اللوحات مازجت بين الفن الانطباعي والفن التشكيلي الذي يترك الفرصة للمشاهد لتحليل اللوحة والفكرة فيها، والخروج بالانطباع الذي تتركه اللوحة في روح المشاهد بدون تدخل من الفنان بالشرح، وهذا الأسلوب طغى على سبع لوحات من هذه المجموعة، بينما كانت هناك لوحة واحدة مختلفة تماماً بالأسلوب، وهي لوحة راقصة الفلامنكو الإسبانية، ففي لوحة الفلاحة بالثوب الفلسطيني التقليدي و(الطرحة) البيضاء على الرأس وهي تحمل جرة الماء في الطبيعة الجميلة وقرب شجرة الزيتون، نجد عودة للجذور الفلسطينية، فالفنانة تعود بأصولها إلى بلدتها (قاقون) في محافظة طولكرم، بينما في لوحة أخرى نرى تولّد الجنين البشري في قلب إجاصة في محيط جميل من الطبيعة، وفي لوحة نرى تولّد طفلة من قلب زهرة سوقها في الأرض وتفتحها في الفضاء، لكن الجو المحيط بها من الألوان الحارة المتدرجة من الأحمر مع وجود انفراجة من السماء، ومع هذا نراها مبتسمة، وكأن الفنانة تشير إلى ما ينتظر الأجيال القادمة من مصاعب ومشكلات، بينما في اللوحتين الأخريين نجد تباعداً ما بين معاني اللوحة للفتاة التي تقف تحت شجرة عراها الخريف من أوراقها وهي تنظر للأفق بصمت بردائها الأبيض وشعرها الأسود المنسدل على كتفيها، مع ملاحظة أن رداءها لا يغطي الأيدي من عند الكتف رغم ما توحيه اللوحة من جو خريفي بارد، وحركة الريح الشرقية، التي عادة ما تتسم بالبرد، والتي تظهر من خلال اتجاه وميلان أغصان الشجرة العارية، بينما في اللوحة الأخرى نجد فتاة تقفز راقصة في الهواء برداء أحمر كالرداء الذي ترتديه راقصة الفلامكو في قلب ألوان حارة للفضاء وكأنه نار الجحيم وألسنة اللهب.
   "الخيل معقود بنواصيها الخير"، هكذا يمكن أن أسمي المجموعة الرابعة، وهي من ثلاث لوحات متميزة بجمالها لرؤس الخيل، اثنتان بالفحم وواحدة زيتية، حتى يمكن من دقتها وجمالها أن أعتبرها درة تاج المعرض، فقد شدتني لتأملها أكثر من مرة، وشعرت براحة كبيرة وأنا اتأمل شموخ الخيل فيها والجمال، لينتهي المعرض بالمجموعة الأخيرة المرسومة بالقلم الفحمي، وتميزت فيها لوحة الفلاحات الثلاث بالزي الفلسطيني التقليدي، ولوحة أخرى من 3 لوحات في إطار واحد، فالأولى قيثارة تحوم حولها فراشة، والثانية لفتاة تسير بهدوء وكأنها ملاك يحمل الأزهار، والثالثة لشاب يظهر الجزء الأعلى من جسده وكأنه محلق بصمت وانتظار في الفضاء، وعلى أسفل يمين اللوحة جواد أصيل، فكأن اللوحة تتحدث عن عزف الفراشات لحلم الفتاة التي تبحث عن فارسها.
   معرض جميل ولوحات جميلة وإن كان أي عمل إنساني لا يخلو من بعض الهنات، مع ملاحظة أن الفنانة تمارس الفن كنزف روحي وهواية ولم تدرسه دراسة، فهي تخصصت بهندسة الجينات الوراثية وتعمل بهذا المجال بأحد المشافي في عمّان، وهذا المعرض معرضها الشخصي الأول وإن شاركت قبله بخمسة معارض جماعية، فشوهدت بعض البثور في العديد من اللوحات ناتجة عن تجمد انسيال قطرات اللون الزيتي، بينما في لوحات أخرى كان استخدام الألوان رقرقاً وصافياً وكأنه مرآة، إضافة إلى ظهور بعض الأجزاء الصغيرة في لوحات أخرى تحتاج مزيداً من الألوان لتخفي القاعدة للوحة، علماً أن الفنانة استخدمت اللون بكثافة في بعض اللوحات من خلال أسلوب الضرب بالفرشاة أو استخدام سكين الكشط، وهذه الهنات الصغيرة تحتاج لانتباه أكثر قبل عرض اللوحات في معرض آخر للفنانة التي غمرت المشاهد المتأمل لفنها بعناقيد من جمال وفرح.
(عمّان 21/11/2015)
 
 
 
 
 

الخميس، 26 نوفمبر 2015

مبادرة للحفاظ على اللغة العربية بقلم البروفيسور محمد الدعمي

 
أ.د. محمد الدعمي
” لست ابالغ إن لاحظت بأن مبادرة الشيخ محمد بن راشد هي من المبادرات الأولى من نوعها من بين مبادرات أخرى، ولا تسعفني الذاكرة في هذا المجال، بسوى قرار يستحق التقدير والاستذكار للحكومة العراقية بداية السبعينيات من القرن الماضي، التي أصدرت قانوناً كما أعتقد، لغرض مواز لهذه الجائزة.”
ـــــــــــــــــــــــــ
لايملك المرء إلا أن يشعر بالامتنان والعرفان لمبادرة الشيخ محمد بن راشد المكتوم نائب رئيس دولة الامارات العربية المتحدة ـ رئيس مجلس الوزراء ، حاكم دبي بتخصيص جوائز نقدية واعتبارية مجزية لكل من يفوز، بمبادرة أو نشاط استثنائي في خدمة اللغة العربية، بالجائزة التي خصصها للغة العربية. وهي اللغة التي تميز وترمز للشخصية العربية ولعبقرية تاريخها عبر العصور والحقب، ناهيك عن دورها الأساس اناءً لأهم ما كتبه وتفوه به العرب منذ أقدم العصور: ناهيك عن أهميتها الروحية، بوصفها لغة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) ولغة القرآن الكريم، ولغة أهل الجنة.
وتأسيساً على اعتبار مجموع هذه الاعتبارات، تتبلور اهمية الجائزة، كمبادرة استثنائية، ليس لـ”إسعاف” اللغة العربية التي يحفظها القرآن الكريم لنا: “إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون”، وإنما للحفاظ على دورها في حياة الأمة وتكريسه، كي تؤدي المنوط بها من أغراض قومية وروحية، ثقافية وحضارية.
لست أبالغ إن لاحظت بأن مبادرة الشيخ محمد بن راشد هي من المبادرات الأولى من نوعها من بين مبادرات أخرى، ولا تسعفني الذاكرة في هذا المجال، بسوى قرار يستحق التقدير والاستذكار للحكومة العراقية بداية السبعينيات من القرن الماضي، التي أصدرت قانوناً كما أعتقد، لغرض مواز لهذه الجائزة. فرضت الحكومة العراقية بموجبه استخدام اللغة العربية الفصحى في كل مجال يميل المستخدِم (بكسر الدال) فيه الى استخدام العامية أو الدارجة. وكانت نتائج هذا القانون مدهشة وواعدة آنذاك في العراق على اقل تقدير، حيث تمت تنقية وسائل الإعلام الشائعة من العاميات والدارجات على تنوعاتها، بينما اضمحلت المجلات الترويحية الساخرة، المعتمدة على العامية لنقل الطرائف والنكات، حتى اختفت مجلات مثل (المتفرج) من حوانيت الصحف في بغداد وسواها من المدن. لقد كان ذلك قراراً مهماً، ما لبث أن تلي بقرار آخر بمنع بث الأغاني المفرطة باستخدام العامية، درجة الإسفاف. زد على ذلك كله جاء البرنامج الممنهج لمحو الأمية ولمنع تشجيع وانتشار “الحسكة”، اي اللهجة الشائعة جنوب العراق. وهكذا راحت الفصحى ترتقي محلها الطبيعي وسيلة اتصال رسمية، ثم شائعة، مصحوبة بعناية خاصة من الدوائر المعنية بالتربية والتعليم وتطوير المناهج والكوادر.
بيد أن للمرء أن يلاحظ في سياق كهذا بأن “قسرية” فرض الفصحى إن صح هذا اللفظ في سياق كهذا، بقانون وبتعليمات حكومية، لابد أن تستجيب لعوامل التعرية مع الزمن بسبب ميل العامة للعامية وبسبب اعتبار الفصحى لغة “المتمنطقين” أو أدعياء الثقافة فقط، للأسف.
وإذا ما كانت القرارات أعلاه فاعلة في العراق لعدة أعوام، فانها سرعان ماراحت تستجيب للميل “الدوني” للهجة العامية، خاصة بعد أن وظفت ذات الحكومة في العراق “الشعر الشعبي” أداةً تحريضية وتعبوية مع بداية الحرب العراقية الإيرانية. وكانت النتيجة المحققة هي أن تراجع توظيف الفصحى بسرعة مذهلة، فاتحاً الأبواب لغزو “عاميات” على حساب الفصحى، للأسف.
أما موضوع المبادرة البنّاءة أعلاه، فلابد أن تباشر إزاء خلفية مرعبة من ظاهرة التخلي عن اللغة العربية الأصل (الفصحى)، بتشجيع قصير النظر من الآنية الإعلامية، وبعضها رسمي للأسف، ناهيك عن طرد الفصحى على نحو شبه تام من وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، درجة أن من يستخدم الفصحى يمكن أن يتعرض للاستهزاء وللتندر حتى إشعاره بالتحرج والخجل، وكأن لغة العرب الأصل غدت مثلبة أو نقيصة، ولك الله يا لغة قريش!

الاثنين، 23 نوفمبر 2015

هل ستدوَّل أراضٍ عراقية وسورية لمواجهة الإرهاب؟ بقلم البروفيسور محمد الدعمي



 
أ.د. محمد الدعمي
إن قرار عدم انتظار الإرهاب، ينطوي على عدة احتمالات، إضافة على الترحيب بالتدخل العسكري الروسي، إلا أن أخطرها على إقليم الشرق الأوسط هو إحالته إلى إقليم حرب عالمية ضد الإرهاب، أي إلى حيث وجد الإرهاب لنفسه أرضًا آمنة، بل وموارد مالية، نفطية خاصة (شمال العراق، وشرق سوريا) قبل أن يباشرها هو بالهجمات كما فعل في 11 سبتمبر، 2001.
لم يعد الحديث في الولايات المتحدة الأميركية عن أن إسقاط أنظمة معينة في الشرق الأوسط (صدام حسين ومعمر القذافي، خاصة) كان خطأً استراتيجيًّا يتوجب تداوله همسًا، كما كانت عليه الحال حتى بضعة أشهر خلت، خاصة بعد الانتشار السرطاني السريع للإرهاب عبر المنطقة. هذه الظاهرة بالذات هي التي حدت بي إلى توقع قيام الولايات المتحدة، بالتعاون مع روسيا والحلفاء الأوروبيين، بعملية “تدويل” الأجزاء الشمالية والغربية من العراق، سوية مع الأجزاء المحاذية لها من الشقيقة سوريا لتكون ميدانًا دوليًّا للحرب ضد الإرهاب، بعد إزالة الأنظمة أعلاه.
مرد هواجسي الواردة في أعلاه هو موجة الخوف والفزع العالية، التي تجتاح الولايات المتحدة الأميركية الآن، خشية حصول هجمات مكافئة لهجمات باريس في واحدة من كبريات المدن الأميركية كنيويورك أو لوس أنجلوس أو واشنطن. وأهم بواعث هذا الخوف الأميركي الذي تتشاطره مع الجمهور أقوى الأجهزة الاستخبارية في العالم (بنسبة 50%)، علمًا أن هذه الأجهزة أضحت بدرجة من القلق حول من أين ستأتي الهجمات المرعبة ومتى؟ أنها نقلت أعباء مهمة التقدير والتوقع، بواقع النصف، للجمهور الأميركي، عله يتمكن من رصد واستمكان التحركات المشبوهة لهؤلاء الذين يحتمل انتماؤهم للشبكات الإرهابية. بل إن ما زاد من ارتفاع موجة الهلع الآن هو حقيقة أضحت مؤكدة، مفادها أن “داعش” قد ضمن مواطئ قدم آمنة له في شريط الأرضي الممتد بين الموصل (شمال العراق) وبين “الرقة” عاصمة “داعش” أو عاصمة “الخلافة” المزعومة في سوريا، بدليل التيقن القائم الآن في العالم الغربي بأن خطط و”أوامر” تنفيذ هجمات باريس قد أطلقت من داخل هذا الشريط.
والمعنى النهائي لما مر ذكره هو أن الحفاظ على الأمن القومي الأميركي والروسي والأوروبي، إنما يتطلب عدم بقاء أجهزة وجيوش هذه الدول ساكنة خلف حدودها الإقليمية، لأن “داعش” لم يعد مهتمًّا بإعلان وتمديد “دولة الخلافة” المزعومة إقليميًّا فقط، بقدر ما هو مهتم الآن بنقل المواجهة ضد العالم الغربي من داخل الإقليم (العراق وسوريا) إليه مباشرة، الأمر الذي يفسر الموافقة الأميركية غير المسبوقة على التدخل العسكري الروسي في سوريا، من بين سواه من التدخلات العسكرية الأوروبية المتوقعة والمنتظرة!
وإذا كانت الولايات المتحدة مترددة حول الموافقة على التدخل الروسي بعض الشيء سابقًا(بسبب ما حدث في القرم وأوكرانيا)، فإنها اليوم تدعو الرئيس بوتين بصوت عالٍ للتدخل العسكري في سوريا، وقريبًا في العراق، خاصة بعد إعلان حالة الطوارئ في العالم الغربي بسبب العمليات الإرهابية الأخيرة في سيناء وباريس ومالي.
الاستراتيجية الأساس التي تحتضنها الولايات المتحدة الآن هي عدم انتظار الإرهاب ليأتي إليها، وإنما مهاجمته استباقيًّا من أجل إجهاض أية عملية يتم التخطيط لها الآن في الموصل أو الرقة كي تنفذ في ميامي أو نيويورك. إن قرار عدم انتظار الإرهاب، ينطوي على عدة احتمالات، إضافة على الترحيب بالتدخل العسكري الروسي، إلا أن أخطرها على إقليم الشرق الأوسط هو إحالته إلى إقليم حرب عالمية ضد الإرهاب، أي إلى حيث وجد الإرهاب لنفسه أرضًا آمنة، بل وموارد مالية، نفطية خاصة (شمال العراق، وشرق سوريا) قبل أن يباشرها هو بالهجمات كما فعل في 11 سبتمبر، 2001.
ونظرًا لأن احتمال تدويل هذا الشريط الأرضي العريض (حيث تدخل الجيوش الأجنبية دون حاجة لموافقات الدول المعنية) الذي يستحوذ عليه “داعش”، بلا منازع، فإن على دول الإقليم (التي تعتبر بعيدة) لم تعد في منأى عن الصراع. ولها أن تفهم جيدًا بأن الحرب على الإرهاب التي بقيت شأنًا قاصيًا عنها (في أفغانستان مثلًا)، قد أضحت الآن بالقرب من أبوابها. وهذا القرب الجغرافي يعني الكثير من المخاطر بدوره، لأنه سيورط حكومات دول الإقليم في الحرب ضد الإرهاب، شاءت أم أبت: فلم تعد الحرب ضد الإرهاب في دول الإقليم حرب إذاعة وتصريحات وبيانات استنكار كما كانت عليه من ذي قبل. أن تكون الحرب بالقرب من باب دارك هي حال تختلف عما كانت عليه في السابق، فهي لا بد أن تمس حدود دول الإقليم، ناهيك عما ستتطلبه عملية تدويل أجزاء من العراق وسوريا، وإحالتها إلى ميادين مواجهة وصراع دوليين، من واجبات تترتب على دول الإقليم، أقلها ثقلًا سيكون واجب استضافة القوات الأجنبية الداخلة في هذه الحرب، ناهيك عن المتوقع من إنفاق سيترتب على حكومات دول الإقليم، ليس على سبيل إسهامها بالحرب ضد الإرهاب بحصص، ولكن على سبيل مقايضة حماية حدودها بالمال والموارد البشرية كذلك. وهذه ستكون من أصعب الخيارات التي ستضعها الدول الكبرى أمام حكومات دول الإقليم، كما أرى.