الاثنين، 9 أبريل 2012

الاديب صالح احمد يمسك بمنابع الفلسفة في كتابه "العمق الفكري والفلسفي





الاديب صالح احمد يمسك بمنابع الفلسفة في كتابه "العمق الفكري والفلسفي
في ديوان العشق والادراك لمعين حاطوم
بقلم : سهيل ابراهيم عيساوي - كفرمندا
يقع الكتاب في 280 صفحة من الحجم الكبير , طبع في مطبعة الكلمة في دالية الكرمل, وكان الاديب والشاعر والناقد صالح احمد قد اصدر عدة كتب توزعت على الشعر والمسرح والنقد : احلى نداء, شعر 1985 , الصرخة, مسرحية 1987 , سبع عجاف- شعر 1993 , رموز فجر الحرية , شعر 1998, مدارات الروح - شعر 2001 ,الخماسين – شعر 2003 , اما الكتاب الذي بين ايدينا عبارة عن دراسة نقدية لكتاب الشاعر والفيلسوف معين حاطوم , في هذا البحث الجاد يحاول الناقد صالح احمد انصاف الشاعر معين حاطوم والقاء الضوء على كتابه وشعره وفلسفته , في خطوة نادرة وفريدة ومميزة في عالم الابداع المحلي , الذي يعاني من الكساد والعزوف وخاصة في لون النقد الادبي الجاد , وصالح احمد في هذا الكتاب لا يسرد للقارئ فقد محاسن الكتاب ومساربه الفلسفية فحسب انما يجود على القارئ بفهمه للعالم النقد الجاد ودخوله من اوسع ابوابه , فعرض الكتاب يتسم بمهنية والمنهجية , وعمق ودراية وثقافة واسعة , في مقدمة الكتاب يسرد علينا صالح احمد كيف تعرف على الاديب معين خاطوم من خلال مقالة تناولت روايته " النبي رائع الفلسرالي " تحت عنوان : الرجل الذي اتعبه عقله ,في نظره ان معين حاطوم لم يشأ ان يفلسف الامور من خلال كتابه انما انما في هذا الديوان ابعاد فلسفية وفكرية وروحية , يقول صالح احمد " العشق عند معين حاطوم يعني : وهج القلب والنابض ومتوحدا ومتناغما مع انسياب الروح الخفية , وصولا الى اقاصي العقل المختمر في عوالم السجية ..المغموسة في رحيق الروح.. وصولا الى سجية الادراك ..في قلب الحقيقة ." ويامل ان يكون عمله " المتواضع" جهدا يصب في مسيرة ادبنا المحلي , اضافة الى المقدمة يقسم الكاتب كتابه الى ستة مجالس وخاتمة للبحث .
في فصل المجلس الاول وتحت عنوان فرعي " لان الشمس ما كانت " يصف الشمس عند معين حاطوم , فهي تعني الحقيقة البكر , وتشكل جوهر البديهة ,فالليل يتجول في غياب الشمس , الشمس رمزا للحقيقة الساطعة الدامغة ,يرى الكاتب ان الشاعر قصد في قوله " انا الشمس " يقصد انا الحقيقة البكر ولانني النور الذي لا يخفى فيه شيئ الا ما اراده البشر ان يختفي خوفا و عجزا , هذه الكلمات تذكرنا باقوال الحلاج والتي كانت سببا في تصفيته في بغداد عام 922 م على يد خصومه بحجة التطاول على الذات الالهية , قال الحلاج " انا انت بلا شك - فسبحانك سبحاني - وتوحيدك توحيدي - وعصيانك عصياني " قال ايضا " انا الحق " فهمت انه يقصد " انا الله " , وثم يستعرض العديد من مقتطفات الشاعر التي تفيض بالحكمة والفلسفة الوجودية , " حين تتعرى الرحمة مما يسترها - لا ترى - لانها وليدة الحلم والنقاء " يفسر صالح احمد اقوال الشاعر بان الرحمة نقية في الجوهر قبل ان يداخلها الهوى المادي , وعن فلسفة الكمال لدى الشاعر يتطرق الكاتب الى ايمان معين حاطوم بان الروح جوهر وطاقة الموحد ولا يمكن وصف الروح وصفا حسيا وماديا
والانسان في نظره لا يمكن ان يبلغ عالم الكمال الروحاني وهذا سر شقائه وخاصة انه يعرف سر عجزه لذا يصرخ كما قال الشاعر في ديوانه ص 63 : " دعيني اغرس من رحيقك – بارغفة اليقين – فانا العاشق الاكبر - أنا العاشق الأكبر "
اما في المجلس الثاني , وتحت العنوان الفرعي " وحدتي تفيض مني " يتحدث الناقد عن عدة قضايا طرحها الشاعر معين حاطوم مثل الانفصام , الانفصام بالنسبة للشاعر يعني الوحدة والانفصام سبب الفوضى وعدم الاستقرار , ويطرح قضية الشعر , هو ابن السليقة وجنين البديهة روح الابداع في كمال الجوهر اذا اصبح الشعر تصنعا يفارق روح البديهة في قوله ص 75 " في زمن الشعر – لا يضيئ الشعر سراج - ولا ينبلج له صبح – يذوب مقلاة الحواس " , وحقا الشعر المصطنع يسئ للشعر والشعراء ويفرغ رصيد الشاعر ويجلد نهر الشعر بسياط من نار .
اما في المجلس الثالث وتحت العنوان الفرعي : ثرثرة في مقاهي الحلم , يستعرض الناقد صالح احمد عدة قضايا فكرية هامة يتطرق اليها الشاعر مثل التاريخ , توصل الى استنتاج ان معين حاطوم له فهمه الخاص للتاريخ , وان البشر عاجزون عن فهمه او فهم صيرورته وحتميته ودحرجته للاحداث , معين حاطوم من المؤمنين بان التاريخ ولد بميلاد الصيرورة الاولى للكون وحين انفجر الجوهر الكمالي لتنطلق عنه طاقة التشكل النمو والتكاثر ويستند الى قول الشاعر ص 137 , " حين كان التاريخ – يلعب في ساحة كون – المتصدع من عطش خرافي - ينبش الارض – بحثا عن شيئ ينفجر - في وجهه – والذي لم يكن وجها " نلاحظ هنا بصمات الشاعر على الرؤية التاريخية الخاصة وهو يدمج نظريته بنظرية الانفجار العظيم والتي يذهب الى صوابها الكثير من علماء الفلك لكنني شخصيا لا اعتقد بحدوثها لعدة اسباب لا مجال لسردها هنا . ايضا يتطرق الكاتب الى الزمن وتعريفه الفلسفي العميق للشاعر معين حاطوم , فعندما ابدع الخالق الوجود لم يكن الزمن شيئا محددا او محسوسا له ظرفيته وابعاده عندما كان روحا مكنونة في الجوهر الكمالي ,يقول الشاعر ص 152 في ديوانه " حين كان الزمن لا شيئ – لان الشيئ- لم يكن - ليتجسد فيه " ويخلص الشاعر الى فكرة انه عندما صار الزمن محسوسا اصبح يحمل في طياته عناصر فنائه " يا ابناء الحياة – ايها المحدودون – بسلسلة المهجة الكونية - انتم سبحة بين انامل الزمن المماطل الجبري - الساعي - وسببه كهدفه : الاختراق الابدي لاحلام بقائكم " ويتحدث عن النار الطاقة المتشكلة انها ايضا لم تكن شيئا قبل ان ينفجر الجوهر فتتشيأ بفعل الصيرورة , يقول الشاعر في ديوانه ص 162 : " ففي غابر البدعة – لم يكن النار دفء – لم يكن الثلج برد - كان الضد سند الضد – كان الصمت نبض الصوت – كان الجزر – نصف المد " يخلص الناقد الى ان الشاعر معين حاطوم يؤمن بانه لا شيئ ينفصل تماما عن عالم الروح بل الكل يستمد طاقة وجوده من طاقة الروح , وان انفصال اي شيئ عن عالم الكمال الروحي وصفائه انما يعني موته وفنائه , ويتحدث ايضا هن ايمان الشاعر بالحرية والانعتاق فمعين حاطوم يؤمن بان الانسان وحتى الجماد مخير وغير مسير , لانه بتمرد الجزء الناقص على الجوهر الكلي الكامل وانفلاته منه , حمل الجزء صفات الكل الكامل ,ولكنه بدأ يختلف عنه وهذا هو سر نزعة الفناء , الاجزاء التي انفصلت عن الكل ما تزال تحن وتصبو للعودة اليه لكن هذه العودة باتت مستحيلة بعد ان انفجر الكل اي الجوهر الكمالي , كما عبر الشاعر عن فكرته ص16 , " صغ نفسك وتجدد – قالت الروح للجسد " معين حاطوم يجزم بان الحرية قانون كوني واحدث اشكال الطاقة المستمدة من عالم الروح لكن الانسان لا يمكنه ان يبلغ قمة الحرية , لان ذلك من اعلى درجات الكمال , المخلوقات تظل في ظمأ للحرية . ونتيجة ضعف الحرية لدى الانسان يشعر بالضياع والنقص بالاحباط والفوضى والخوف وعدم الامان , ويتحدث عن فلسفة الشاعر حول دحض الشر يستخلص صالح احمد فلسفة الشاعر الخاصة به مثل ان الزمن روح التاريخ , واصل كل شيئ ضده واصل الخير دحض الشر , والروح عالم خفي لا يمكننا ادراكه بقوة العقل او بالحواس , من صراع الاضداد تشكل التاريخ , صراع البقاء يقابلها غريزة الخوف من الفناء , وفي الروح يحيى الجسد فهو جنين الانسان .
المجلس الرابع : تحت عنوان فرعي , سلطنة على اوتار الوجد , يلاحظ ناقدنا ان الشاعر الفيلسوف معين حاطوم يستعرض زبدة وعصارة فلسفته في هذا الباب فتصبح اللفة اكثر شفافية وذاتية ووجدانية , الخطاب يصبح اكثر مداعبة للابداع مع انه يعود على نفس الافكار لكن باسلوب جميل , يسوق لنا مقطع ص 173 " الروح تسكن الارض – قالت – لا موت ...لا انتهاء لاحد ! – انه ارتحال بين الابد والابد – نصفك هنا يتعذب – ونصفك هناك يتجدد – فلا تتهرب – دع ألمك يتهذب – لا تتردد .. - الروح تسكن الارض - تسكنني وتسكنك كي نتوحد " ومن اهم افكاره في هذا الباب انه لا ثبات في الطبيعة , لانه لا ثبات في الحياة , الحزن حالة طارئة , لانه وليد الفعل والافعال هي من تقود الانسان الى الشك واليقين عبر متاهات طويلة , والانسان لا يمكنه الاستغناء عن الحلم والخيال بسبب الاتصال الدائم بعالم الروح , ويحذر الشاعر الفيلسوف من الفكر الخرافي الذي يشوه كل شيئ حتى الاحلام ! , والحلم حالة غيبية , ويخلص الشاعر الى ان الانغماس في عالم المادة الزائف المغري يمكنه ان يفسد الاحلام لانه في غيبة الروح يفسد كل ما هو غير روحي .
المجلس الخامس : تحت عنوان فرعي : صهيل الوجع الجامح , يشير الناقد الى هذا المجلس اكثر جمالية لانه يتحدث عن اشعاعات الجوهر على عالمنا , يتحدث عن الانثى التي تعني النماء والتكاثروتزاوج الارض مع المرأة دليل اتحاد عنصر المادة بطاقة الروح , لتكون الحياة , يقول معين حاطوم " وقيل ان الارض امرأة – ترضع من ثديها الاحياء – وقيل انها الرحم الذي ينجب – والرمس الذي يقتات الاموات – وقيل : انها كل شيئ " . والشاعر ايضا عاشق للروح والطبيعة والجمال , عاشق للكرمل في قوله " لا تحرر أمرك من أمري " يذهب صالح احمد ان الشاعر يقصد انا الطبيعة , والطبيعة أنا ولا وجود للفتنة الا في وجود المفتون , في قصيدة الكرمل ص 252 يقول الشاعر : " الكرمل قلب – يضخ في اوردة العالم شعرا – قالت الحمامة المهاجرة – مصفقة بقلبها المفتون - أعدني اليه يا رونق العمر - في كل الفصول "
والشاعر محق هنا الكرمل يحسن في انجاب الشعراء الكبار الذين يزفون الشعر الجميل للعالم , والكرمل يمثل الطبيعة والجانب الحسي والوجداني للحياة الحمامة هي رمز السلام الابدي وتجدد الحياة بعد الطوفان, وفي موضع اخر ص 253 يؤكد الشاعر الفكرة مرة اخرى " الكرمل قيثار اسطوري النغمات – قالت الحساسين الطائرة - اعطني ايها الزمن فسحة طويلة - لارتوي من هذا الشدو الاخضر - واذوب واذوب – في مقلة اللحن الأبدي " وفي هذا الباب ايضا يخصنا الشاعر بعدة نظريات فلسفية خاصة به منها : الزمن يتحكم بمسيرة الحياة ويحتضن كل تقلباتها , وقضية النجاح والفشل والصعود والهبوط قضية محكومة بعنصر الزمن واجتهادنا فيه وحسن استغلالنا للفرص المتاحة وسرعة التحرك واتخاذ القرار , وما نسميه نحن حياة ما هو الا مجرد صراع الموجودات من اجل البقاء في الحياة , ومنطق العنف والوعيد والتهديد هو نتيجة لحالات ضمور الروح وتبلد المشاعر وانتشاء الذات الغريزية , وفي حالة ضمور الذات الانسانية الواعية , يدب الخلل في كل شيئ ويصبح الانسان يلهث خلف كل بريق يلمع يعتقد انه الامل وفي النهاية يضل الطريق , ومن قمة الجهل يبدأ ميلاد الصحوة , ولا تاثير للروح على سلوكنا الا في ظل الود والحب , اما عن الشعر فله قسط عند شاعرنا فهو رأس الابداع وعنوانه وهو عنصر من عناصر كمال الجوهر , الشعر هو روح الجوهر , الشعر لغة الطبيعة ونغمات الروح في الانسان , وتهذيب لغرائز الانسان , الشعر صوت الروح , وتهذيب للطبيعة , الشعر روح الابداع ولا يكتمل الادراك والوعي الا بالابداع, والشعر يعمل على تهذيب الغرائز والنزعات , الشعر ازلي وابدي , وكان في سر كن فيكون مع انفجار الجوهر , والشعر يفصل بين الجهل والوعي بين الجسد والروح , بين الحلم والحقيقة , ويحذر الشاعر من تراجع الروحانيات الامر يؤدي الى تراجع الادراك والوعي , وفي المجتمع المادي يتفشى الاحباط والصراع الدائم , واقتصار الحلم على الماديات امر خطير واغتيال للحلم , واصبحت حياتنا تحكمها المقاييس المادية , يقول الشاعر ص 280 " الفساد - يافطة معلقة على متاجر النفوس " ويتحدث الشاعر عن المفكرين والفلاسفة وواقعهم وعالمهم , هم المتسلحون بنور الروح واشراقاتها حين يغيب العقل في دهاليز الغريزة والشهوة , ويندر ان يفهم الفيلسوف اهل زمانه ! لانه يهرب يغيب من ظلماتهم لائذا بنور وعيه وادراكه , ولانه يبعث اليهم قبسات من اشراقات روحه, يصعب ان تخترق الحجاب من ظلمات واقعهم , ويظل النور مشرقا حتى يجد من يقتبسه , ويفقه اسراره , وقد يطول الزمن دون ان يحدث ذلك . وكان الشاعر هنا يتحدث عن ذاته .
المجلس السادس , تحت عنوان فرعي , كأني قد جئت منك , في هذا المجلس يحاول الشاعر ان يجمل ما عرضه في مجالسه الخمسه السابقة, لكن بصورة اكثر وضوحا , ومباشرة يحاول ان يشرح ذاته , قصائد المجموعة في هذا الباب اطول الناقد صالح احمد يرجع الامر الى خوف الشاعر من ان لا يفهمه الناس لذا يلجا الى الاطالة بهدف التوضيح , والتعابير اكثر سلسلة ورومنسية , وهذا الفصل هو الاطول بعكس المألوف عادة لدى الكتاب والشعراء , يرجع الناقد الامر ايضا الى هوس الشاعر وخوفه من ان لا يكون قصده اتضح بعد , وانا ارجح انها اشارة ذكية منه ان في جعبته المزيد وذخيرته من الشعر والفلسفة لم تنفذ بعد وما زال في روحه الكثير الكثير من افاضة الشعر والحكمة الازلية , يستعرض ايضا في هذا الباب صورا شعرية جديدة لافكار سبق ان طرحها , ومن اهم افكاره يلخصها الناقد , العقل طاقة مستمدة من كمال الجوهر لكنها طاقة ضئيلة , ونورها خافت وتاثيرها ضعيف , ومهما بلفت طاقة العقل يظل تائها في سراديب الجهل , العقل البشري لا يقر ابدا بعجزه لكنه يبحث له دائما عن مخرج , واننا لا ندرك كل طاقة العقل , - هذه حقيقة علمية لاننا نستغل اقل من 5 بالمائة من عقلنا - !!, لاننا عاجزون عن استغلال عقلنا تخدع الذات بالذات , يمكن ادراك نتاج العقل وافعاله اما العاطفة فلا يمكننا حصر الابعاد والنتائج , واندفاع العاطفة يؤثر سلبا على الوعي , والغريزة حينما تقوى شوكتها تبطل العقل وتتفوق عليه , الحكمة هي التي تضبط العقل والغريزة والعاطفة .
ثم يختتم الناقد صالح احمد كتابه بخاتمة , يتطرق بها الى اهم الافكار التي رفع شعارها الشاعر والفيلسوف معين حاطوم ,
خلاصة : في كتاب صالح احمد يكسر كل القوالب الجاهزة حول النقد المحلي , والتي عادة تعالج الكاتب وتهمل النص , او تعالج النص بشكل سطحي , اكثر ما في الامر اجترار لكلمات الشاعر او الكاتب ,’فصالح احمد اخذ المهمة الشاقة واوغل بها , دون ان يغرق ويسرف في مدارس النقد المختلفة وفي احصاء الكلمات والمفردات , بل عايش النص وامتطى الحرف , قام بعرض الكتاب وافكار الشاعر والفيلسوف بصورة لائقة , اعطت الكلمة حقها وانصفت الشاعر , وهي مهمة غير سهلة وخاصة اننا لا نقف امام كتاب فج او شاعر يجرب القصائد انما شاعر كبير متعمق في الشعر ومبحر الى وراء الافق في عالم الفلسفة وله فلسفته الخاصة وطريقه في فهم الحياة , له رسالة يود ايصالها الى الناس , في كل المعمورة , الاديب والناقد صالح احمد اشبه بالصائغ الماهر الذي يعرض جوهرته النادرة , لكن ليس لكل الناس انما الامر يقتصر على من يفقه في عالم الجواهر وعلى استعداد لدفع الثمين مقابل النفيس , وفي كتابه يمنح القارئ الذي لم يسعفه حظه المتعثر في قراءة ديوان الشاعر معين حاطوم , ليقرأ ما وراء السطور لعل الامر يحثه في البحث عن الكتاب , ويقدم للنقاد على طبق من ذهب نظرة اخرى للنقد وذوق متميز في التحليل والدراسة , مع الاشارة الى الناقد صالح احمد ناقد ملتزم ومع ذلك لم يحاول ان يعارض او يهاجم افكار الشاعر انما عالج النص كما هو بأسلوب جميل لا يخلو ايضا من الفلسفة العميقة والادراك الكبير لعالم الفلسفة , اما الشاعر معين حاطوم فلسفته تدهشنا , وتعيدنا الى افكار افلاطون والمدينة الفاضلة والى سقراط في بحثه عن الحقيقة وفي النهاية لم يدركوا عمق فلسفته فحاكموه وسط زحمة من الجهل و ارغموه على شرب السم , وتعيدنا الى فلسفة الحلاج والذي ايضا قتل في بغداد ظلما بسبب حكمته واليوم يحاول البعض انصافه , وتذكرنا بفلسفة جبران خليل جبران وقصائده الخالدة الباحثة عن الصدق والروح والعدل , وبحكم بوذا الهندي المقتضبة والتي تجبر العقل ان يعتصر الفكر ليفهمها ويحللها وكلما تبحر بها تنبه لامر جديد , كل هذه الطاقات وسط تواضع كبير , والتواضع نعمة لا يفطن اليها الحاسد كما قال الامام علي كرم الله وجهه.
اما ملاحظاتنا على الكتاب انه يخلو من التبويب وتسجيل المحتوى , هذا الامر يريح القارئ والباحث وعنصر مهم في تكوين الكتاب , كذلك عدم تخصيص صفحة لكل فصل جديد مثال الفصل الرابع جاء العنوان في اسفل الصفحة دون اشارة واضحة , وقع بعض الاخطاء المطبعية و هي قليلة جدا , الكتاب يخلو من تعريف عن الشاعر معين حاطوم بطاقته الشعرية ورصيده الادبي او الاجتماعي وهذا فيه بعض الاجحاف للشاعر الكبير , ايضا ينقص القارئ والباحث معلومات اولية عن الديوان والذي بصدده البحث مثل عدد صفحاته اسماء القصائد , دار النشر , سنة الاصدار , حجم الورق ولون الغلاف ولوحاته , كما ان الكتاب لا يتضمن بطاقة شخصية للناقد صالح احمد , مثل العمر والثقافة والنشاط الادبي , لكنه تضمن اصدارات الكاتب وهذا امر هام .
في النهاية كتاب صالح احمد اضافة نوعية لمدرسة النقد وللمكتبة العربية والمحلية ودراسة جادة لكتاب مميز وكاتب فريد يمزج بين الشعر والفلسفة يطوع الفلسفة لخدمة الشعر والشعر لطرق مدارات الفلسفة والحكمة , وعتبة هامة لدخول عالم الشاعر والفيلسوف معين حاطوم .