الجمعة، 27 نوفمبر 2015

عناقيد الفرح والفنانة التشكيلية داليا أبو هنطش


 
بقلم: زياد جيوسي
 
   زيارتي لعمّان الهوى عاصمة "أردن أرض العزم" حفلت هذه المرة بأطواق من جمال وفرح، فمن استقبال أمطار الخير إلى مشاهدة معرضين للفن التشكيلي، وكل منهما كان المعرض الأول الشخصي للفنان الشاب، وكلا المعرضين أثارا في الروح الرغبة بالكتابة، وبالنسبة لي لم أكن عرفت أياً منهما من قبل أو شاهدت له عملاً فنياً.
   داليا أبو هنطش فنانة تشكيلية شابة، كان افتتاح معرضها الأول في مركز الحسين الثقافي في رأس العين. وحقيقة، وبمجرد أن بدأت التجوال وتأمل اللوحات حتى شعرت أن هناك عنقودَ فرح يشدني للمعرض وتأمل اللوحات بتمعن.
   المعرض تكون من 27 لوحة، منها ثماني لوحات بالقلم الفحمي، وباقي اللوحات الـ 21 بالألوان الزيتية، واللوحات الثمانية الأولى احتوت على إطار جمع ثلاث لوحات تهمس همسة متواصلة، وكانت هذه المجموعة في نهاية عرض اللوحات، فأعطت رونقاً خاصاً لروح المتأمل.
   لوحات الفنانة يمكن تقسيمها لعدة مجموعات، كل مجموعة لها مدرسة ورونق خاص بها، والمجموعة الأولى هي اللوحات التقليدية (كلاسيك)، وهي من أربع لوحات، ركزت فيها الفنانة على الفاكهة بلوحة واحدة، وعلى الورود بثلاث لوحات، وتميزت هذه اللوحات بألوان الفرح، حيث ركزت على الألوان الحارة متدرجة بهدوء للألوان الباردة بتمازج منح اللوحات جواً من فرح يمنح روح المتأمل سكينة وهدوء، وبشكل عام فاللوحات التقليدية (الكلاسيك) تمنح المشاهد فرصة تأمل الجمال، ولكنها تفتقد دفعة للتحليق، والتفكر، وتحليل اللون، والفكرة.
   المجموعة الثانية كانت الطبيعة تطغي عليها، فاللوحات الست كانت تستلهم الطبيعة ما بين جمال وهدوء وعنفوان، والملاحظ أن البحر كان العامل المشترك في هذه اللوحات باستثناء لوحة واحدة كان بها نهر، علماً أن الأردن يفتقد البحر، والملاحظ أن إحدى اللوحات التي تصور مدينة تعانق الشاطئ كانت متميزة بهدوء مياه البحر، بينما كانت الغيوم في السماء وكأنها بدء انطلاقة لإعصار، فمازجت اللوحة بجمالية متميزة بين الهدوء المطلق للماء وثورة السماء، مع ملاحظة أن اللوحة احتوت على حافة الشاطئ بجوار مياه البحر أو البحيرة على أزهار وأعشاب جميلة طبيعية، ما أثار في ذهني السؤال: هل يمكن أن تنبت الأزهار والأعشاب اليانعة بجوار المياه المالحة مباشرة؟ إلا إذا أرادت الفنانة أن تشير إلى أن عناقيد الفرح تتغلب حتى على ملوحة الماء. وفي لوحة أخرى تميزت بثورة البحر في مرفأ يحتوي على مركبين شراعيين، وهذه اللوحة تميزت بتمازج الألوان فيها، ومشهد الموج المحاكي للموج في الطبيعة حتى يكاد المشاهد يتخيل أن موج البحر سيلامسه، بينما تميزت اللوحات الأربع الأخرى بالهدوء الذي يبعث الراحة في النفس.
  المجموعة الثالثة، وكانت من ثماني لوحات، تميزت بأنها فن تشكيلي يحمل في كل لوحة منها فكرة، وهذه اللوحات مازجت بين الفن الانطباعي والفن التشكيلي الذي يترك الفرصة للمشاهد لتحليل اللوحة والفكرة فيها، والخروج بالانطباع الذي تتركه اللوحة في روح المشاهد بدون تدخل من الفنان بالشرح، وهذا الأسلوب طغى على سبع لوحات من هذه المجموعة، بينما كانت هناك لوحة واحدة مختلفة تماماً بالأسلوب، وهي لوحة راقصة الفلامنكو الإسبانية، ففي لوحة الفلاحة بالثوب الفلسطيني التقليدي و(الطرحة) البيضاء على الرأس وهي تحمل جرة الماء في الطبيعة الجميلة وقرب شجرة الزيتون، نجد عودة للجذور الفلسطينية، فالفنانة تعود بأصولها إلى بلدتها (قاقون) في محافظة طولكرم، بينما في لوحة أخرى نرى تولّد الجنين البشري في قلب إجاصة في محيط جميل من الطبيعة، وفي لوحة نرى تولّد طفلة من قلب زهرة سوقها في الأرض وتفتحها في الفضاء، لكن الجو المحيط بها من الألوان الحارة المتدرجة من الأحمر مع وجود انفراجة من السماء، ومع هذا نراها مبتسمة، وكأن الفنانة تشير إلى ما ينتظر الأجيال القادمة من مصاعب ومشكلات، بينما في اللوحتين الأخريين نجد تباعداً ما بين معاني اللوحة للفتاة التي تقف تحت شجرة عراها الخريف من أوراقها وهي تنظر للأفق بصمت بردائها الأبيض وشعرها الأسود المنسدل على كتفيها، مع ملاحظة أن رداءها لا يغطي الأيدي من عند الكتف رغم ما توحيه اللوحة من جو خريفي بارد، وحركة الريح الشرقية، التي عادة ما تتسم بالبرد، والتي تظهر من خلال اتجاه وميلان أغصان الشجرة العارية، بينما في اللوحة الأخرى نجد فتاة تقفز راقصة في الهواء برداء أحمر كالرداء الذي ترتديه راقصة الفلامكو في قلب ألوان حارة للفضاء وكأنه نار الجحيم وألسنة اللهب.
   "الخيل معقود بنواصيها الخير"، هكذا يمكن أن أسمي المجموعة الرابعة، وهي من ثلاث لوحات متميزة بجمالها لرؤس الخيل، اثنتان بالفحم وواحدة زيتية، حتى يمكن من دقتها وجمالها أن أعتبرها درة تاج المعرض، فقد شدتني لتأملها أكثر من مرة، وشعرت براحة كبيرة وأنا اتأمل شموخ الخيل فيها والجمال، لينتهي المعرض بالمجموعة الأخيرة المرسومة بالقلم الفحمي، وتميزت فيها لوحة الفلاحات الثلاث بالزي الفلسطيني التقليدي، ولوحة أخرى من 3 لوحات في إطار واحد، فالأولى قيثارة تحوم حولها فراشة، والثانية لفتاة تسير بهدوء وكأنها ملاك يحمل الأزهار، والثالثة لشاب يظهر الجزء الأعلى من جسده وكأنه محلق بصمت وانتظار في الفضاء، وعلى أسفل يمين اللوحة جواد أصيل، فكأن اللوحة تتحدث عن عزف الفراشات لحلم الفتاة التي تبحث عن فارسها.
   معرض جميل ولوحات جميلة وإن كان أي عمل إنساني لا يخلو من بعض الهنات، مع ملاحظة أن الفنانة تمارس الفن كنزف روحي وهواية ولم تدرسه دراسة، فهي تخصصت بهندسة الجينات الوراثية وتعمل بهذا المجال بأحد المشافي في عمّان، وهذا المعرض معرضها الشخصي الأول وإن شاركت قبله بخمسة معارض جماعية، فشوهدت بعض البثور في العديد من اللوحات ناتجة عن تجمد انسيال قطرات اللون الزيتي، بينما في لوحات أخرى كان استخدام الألوان رقرقاً وصافياً وكأنه مرآة، إضافة إلى ظهور بعض الأجزاء الصغيرة في لوحات أخرى تحتاج مزيداً من الألوان لتخفي القاعدة للوحة، علماً أن الفنانة استخدمت اللون بكثافة في بعض اللوحات من خلال أسلوب الضرب بالفرشاة أو استخدام سكين الكشط، وهذه الهنات الصغيرة تحتاج لانتباه أكثر قبل عرض اللوحات في معرض آخر للفنانة التي غمرت المشاهد المتأمل لفنها بعناقيد من جمال وفرح.
(عمّان 21/11/2015)
 
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق