الثلاثاء، 28 يوليو 2015

حدود العلمنة: أو العلمنة الإسلامية . بقلم البروفيسور محمد الدعمي

أ.د. محمد الدعمي
”..لأن عالمنا الإسلامي، العربي خاصة، لم يعد “قارة” منفصلة، كما يقال، إذ تتوجه إليه آلاف الجموع من العمالة الأجنبية، القادمة حتى من أراضي سكان “تسمانيا” الأصليين، لا يمكن لحكوماتنا ولأهل الحل والعقد بيننا أن يغلقوا عالمنا العربي في وجوه الوافدين الذين قد تتراوح معتقداتهم الروحية بين الوثنية والمشركة والمنزلة،”
ــــــــــــــــــ
تختلف دول العالم الإسلامي عن سواها من الدول، خاصة الغربية الصناعية، في قوة الدين الإسلامي ودوره المركزي، نظاماً اجتماعياً وتقليداً روحياً، في حياة الجماعة والفرد. وعلى نحو معاكس، لذلك عمل العالم الصناعي منذ ثورة القس الألماني “مارتن لوثر”، ثم بواكير الثورة الصناعية جاهداً على فك قبضة الكنيسة على المجتمع، في تغير تاريخي اكتسب ملامحه منذ قرن العقل الأوروبي الكنيسة بالعصر الوسيط فقط بسبب دورها الأساس في الحياة الاجتماعية والسياسية حقبة ذاك، بطبيعة الحال.
وتأسيساً على هذه المنظومة الجدلية المستقاة من التاريخ الغربي فقط، وقع العقل الغربي في خطأ عده العالم الإسلامي عالماً متخلفاً لم يزل يحيا أطر العصر الوسيط وتحت أعباء قيمه. لي أن ألاحظ ما جاء في أعلاه، وأستذكر بحثي الموسوم (الإسلام والعولمة: الاستجابة العربية-الإسلامية لمعطيات العولمة)، ابو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2003، في سياق مناقشته العلمنة وآفاقها في العالم الإسلامي. للمرء أن يلاحظ في هذا السياق أن العالم الصناعي الغربي قد تخطى حدود المعقول بقدر تعلق الأمر بإدارة ظهره للحياة الروحية وللدين، درجة أن للمرء الحرية (في الأوراق الرسمية) أن لا يجيب عن سؤال ما دينك؟ فيقول “أفضل أن لا أجيب”؛ بل ان الأغرب، من منظورنا، هو الجواب التالي: “أنا بلا دين” وهي مسبّة ونقيصة في ثقافتنا؛ أما إذا أجاب على ذات السؤال بـ”أنا ملحد”، فهذه هي غاية العجائب والزندقة والكفر. إلا أن هذه الحال موجودة وبكثرة في عالمهم الذي، كما يبدو التهمته الماكنة، وأعادت التطورات الإلكترونية برمجته على نحو مختلف.
هذا هو العالم الغربي الحقيقي، أي هو العالم الذي يعلن فيه الفرد بأنه علماني، متبختراً ومتباهياً بهذه الصفة. على عكس ما لدينا في العالم الإسلامي، إذ تكون صفة “علماني” معيبة، بل ومدعاة للاحتقار، إن لم نقل للحذر: فالعلماني من منظور محلي محافظ، كهذا الشائع لدينا، هو فرد لا مانع لديه من الإقدام على جميع المحرمات والموبقات. لذا وجبت الحيطة والحذر منه.
ولأن عالمنا الإسلامي، العربي خاصة، لم يعد “قارة” منفصلة، كما يقال، إذ تتوجه اليه آلاف الجموع من العمالة الأجنبية، القادمة حتى من أراضي سكان “تسمانيا” الأصليين، لا يمكن لحكوماتنا ولأهل الحل والعقد بيننا أن يغلقوا عالمنا العربي في وجوه الوافدين الذين قد تتراوح معتقداتهم الروحية بين الوثنية والمشركة والمنزلة، لذا فإن علينا أن نجد صيغة متوازنة لا تقسرنا على التخلي عن حياتنا الروحية ومعتقداتنا الدينية، لمواكبة العصر، ولا تحيلنا الى ببغاءات عمياء نفعل كل ما نرى أمامنا، محاكاة.
هذا تواز دقيق للغاية، تصعب المحافظة عليه، بسبب الحاجة الماسة إلى تحصين الشبيبة والنشء، من ناحية، وإلى قبول الآخر للضرورات العملية، من الناحية الثانية.
لذا، فقد وجب إيجاد صيغة علمنة إسلامية محدودة خاصة بنا، بمعنى علمنة لا تتماهى إلى الإقلال من شأن الحياة الروحية حد تهميشها، ولا تحيلنا الى مبشرين قسريين حيال سوانا من أصحاب الأديان والمعتقدات الأخرى. والحق، فإن هذه هي الصيغة المثلى التي جاءت نصاً في القرآن الكريم: “لكم دينكم ولي ديني”. وبكلمات أخرى، هي ستكون عولمة محدودة بحدود احترام معتقدات الآخر وتجنب الإساءة إليه بسبب دينه ومقدساته، وهما من سجايا الإسلام الحنيف، خاصة بعد إسدال الستار على عصر الفتوحات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق