الخميس، 7 مايو 2015

مومياءات الثقافة ،بقلم البروفيسور محمد الدعمي


أ.د. محمد الدعمي
” تتبلور مومياءات الثقافة في عالمنا العربي على اشكال متنوعة، تتراوح بين شواخص لم تعد قادرة على التحرر من القيود التي تم ترميزها عليها قبل عقود وبين أنساق تربوية ورموز تاريخية طواها الزمن بعد أن انتقل من عصر الخيمة وقوافل الجمال الرتيبة، الى عصر الأرقام وشبكات المعلومات الكونية، مروراً بعصر الماكنة والثورة الصناعية،”
ــــــــــــــــــــ
أَما آن الأوان لأن ندفع “مومياءات الثقافة” العربية/الإسلامية الى المتحف لتمكث هناك جامعة لغبار الزمن، بعد أن استنفدت قيمتها الإيحائية وتقديمها الماضي على الحاضر حتى غدت ثقافتنا حبيسة زنزانة تاريخية لا نافذة لها تطل من خلالها الى العالم المعاصر الواسع، عالم الأنوار الكبير.
للمرء أن يطرح هذا السؤال لذلك العدد المحدود من مومياءات الثقافة التي بقيت تحتكر الأطر القومية والروحية لثقافتنا لتخنقها في دواخل تلك الأطر غير القابلة للمرونة ولاستيعاب الجديد والشجاع. لذا، فلا غرابة في أن تعزف شبيبتنا وينأى نشؤنا من ثقافة أضحت مجموعة مومياءات محنطة، برغم ما أجري لها من ترميمات وأعمال إدامة وصيانة استهلكت الكثير من ثرواتنا الوطنية، تحت عناوين لم تعد مقنعة، عناوين من نوع “المحافظة” و”التجديد”، “التراث” و”الفولكلور”، حتى غدت دعوة النشء والشبيبة لإحتضان الثقافة والتمسك بها مدعاة للتندر عندهم، بل وللتسفيه أحياناً. وإذا كانت بعض “مومياءات” الثقافة لم تزل أصناماً تقدسها سياقات وأنماط إجتماعية ورسمية على سبيل الإبقاء عليها، فإنها، بكل تيقن العارفين، قد استحالت الى عقبات أمام التقدم وعوائق على طريق التغيير التقدمي الحق الذي يرنو له الجميع، جمهوراً ونخبا ثقافية وأولي أمر.
تتبلور مومياءات الثقافة في عالمنا العربي على اشكال متنوعة، تتراوح بين شواخص لم تعد قادرة على التحرر من القيود التي تم ترميزها عليها قبل عقود وبين أنساق تربوية ورموز تاريخية طواها الزمن بعد أن إنتقل من عصر الخيمة وقوافل الجمال الرتيبة، الى عصر الأرقام وشبكات المعلومات الكونية، مروراً بعصر الماكنة والثورة الصناعية، بعد أن قدم لنا العصران الأخيران نتاجاتهما النمطية سوية مع أطقمها من الإشكالات كالإنفجارات السكانية، وظهور المدن المليونية المكتظة، ومعها نكوص الخدمات الصحية والتربوية وانتشار الفقر ومعه التدني الأخلاقي والسلوكي، زائداً طغيان الماكنة وهيمنتها على مقدرات الإنسان.
ومن منظور آخر، تجسدت “مومياءات الثقافة” على نحو دروس مدرسية غير قابلة للمرونة ولا للتأمل أو للنقاش الذي قد تفتحه عقول ابنائنا الذكية الغضة. لقد استحالت هذه وسواها من الدروس المسلفنة التي نضخها جيلاً بعد جيل في صفوفنا المدرسية على العقول الحيوية للنشء من اسباب تحجير تلك العقول وتنميط طرائقها في التفكير والعقلنة حتى فقدت القدرة على حماية نفسها وتحصين مداخلها أمام هجمات ثقافية من الخارج عالية العدوانية تهدف أولاً الى فك أواصر العقل بالحياة وتدجينها على اجترار الماضي والتغذي على منتجاته برغم مرور أزمان على تواريخ انتهاء صلاحيتها!
ولكي لا تلفظ ثقافتنا أنفاسها الأخيرة على حافات المقابر، كما تتمنى ذلك لها الكثير من قوى الرجوعية والإرتداد والغزو الثقافي، فان جرعة كبيرة من الأوكسجين قد تكفي لمد جسد هذه الثقافة بالحياة كي تتفتح وتحتضن عناصر الديمومة والتواصل كما فعلت مذ غابر الدهور.
هيا بنا نطوي صفحة مومياءات الثقافة، كي نفتح صفحة حياة الثقافة الولاّدة للإبداعي والخلاّق.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق