الثلاثاء، 5 مايو 2015

ميسون أسدي تدقّ جدران الخزّان بعنصر التّشويق رغم مرارة المضمون!

حول كتابها الأخير "خبز العسكر":


بقلم: جميل السلحوت

*المتابع لكتابات الأديبة الفلسطينيّة ميسون أسدي القصصيّة، لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء ليعرف أنّها تغرف مضامين قصصها من الواقع الاجتماعي الذي تعيشه الجماهير الفلسطينية العربية، التي تشبّثت بتراب وطنها، وعانت ما عانت بل ولا تزال تعاني جرّاء ذلك، وجرّاء المستجدّات والمؤثّرات الخارجيّة التي لها دور في دخول مسلكيّات قد تكون ذات خصوصيّة معينة تفرضها البيئة المحليّة. لكنّها في الوقت نفسه تطرح قضايا نابعة من صميم البيئة المحليّة، بل تنسحب على بيئات عربيّة أخرى، ولا غرابة في ذلك فشعبنا الفلسطينيّ جزء من الأمّة العربيّة، تماما مثلما هي ثقافتنا جزء من الثّقافة العربيّة. وما التباينات البسيطة إلّا نتاج التباين البيئيّ والظّروف الخاصّة التي تحياها هذه المجموعة المحليّة أو تلك.

مجموعتها القصصيّة الأخيرة "خبز العسكر" ليست نشازا عن مجموعاتها القصصيّة السّابقة، بل هي امتداد لها، لكنّها بالطّبع ليست تكرارا لها. وأديبتنا التي تتحلّى بجرأة واضحة في طرح قصصها لا تفعل ذلك من باب نشر الغسيل الوسخ، بل هي "تدقّ جدران الخزّان" بطريقة غير مباشرة ودون خطابية، وبعيدا عن الوعظ والإرشاد، لإيمانها العميق بأنّ التستّر على الخطأ سيقود إلى أخطاء أكبر قد تصل حدّ الجريمة الفاضحة. والّلافت في قصص كاتبتنا ميسون أسدي أنّ كلّ قصّة منها تحمل في ثناياها حكاية حصلت على أرض الواقع، وهي حكاية ضحيّتها في الغالب امرأة، وهي بهذا تسلّط الضوء على قضايا المرأة نصف المجتمع، "حارسة نارنا المقدّسة" المرأة التي تعيش مأساة التربيّة الذكوريّة لمجتمعاتنا، وهي بهذا تنحاز إلى بنات جنسها في محاولة منها للمساهمة في تغيير العادات والتقاليد الباليّة، في نظرتها للمرأة، بل هي تفتح العيون لضرورة التّغيير، والسّعي نحو الأفضل، وما إنصاف المرأة إلّا إنصاف للذّكور أيضا، أي رفعة للمجتمع بذكوره وإناثه، بل إنّ المرأة تملك قدرات تستطيع من خلالها إنقاذ أسرتها من تخبّط وغفلة رأس الأسرة، كما شاهدنا في قصة" كلمة أبو زيد" وأبو زيد في تراثنا –كما يعلم الجميع- بطل شعبي خارق، إلّا أنّ أبا زيد في القصّة باع بقرته بثمن بخس على حساب قوت عياله، ولم يتراجع عن خطئه بعد أن لفتت انتباهه لذلك زوجته، فما كان منها إلّا أن احتالت بذكاء على المشترين وأبطلت عمليّة بيع البقرة. وكما فعلت في العديد من قصصها السابقة، فإن الكاتبة في بعض قصصها هذه، تطرّقت إلى قضايا جنسيّة، وعن ضحايا الجنس في مجتمع يضع الجنس في خانة " التابو" المحرّمات. مع التأكيد بأنّ الكاتبة لم تكتب عن الجنس، وإنّما عن ضحاياه وهم كثيرون في مجتمعاتنا العربيّة، خصوصا سفاح القربى كشقيق يمارس الجنس اغتصابا مع شقيقته، أو زوج الشقيقة يتحرّش بشقيقة زوجته، أو اعتداء وتحرّش الخال بابنة أخته، أو اعتداء رجل عجوز جنسيا على طفلة رضيعة! أو التحرّش الّلفظي من بعض المنحرفين وهكذا، وقد يعتدي الجاني على ضحيّته بالضّرب والإهانة، ولا تجرؤ على الحديث أو الشكوى لأنّ مصيرها قد يكون القتل. تطرح الكاتبة هنا قضايا هؤلاء الضّحايا ولا تضع حلولا، فالكاتب كما هو معروف ليس واعظا أو منظّرا أخلاقيّا، أو داعية دينيّا، إنّها تطرح قضايا في غاية الأهمية وغاية الحساسيّة، ومع أنّ الجنس حاجة غريزيّة وحاجة إنسانيّة أيضا للحفاظ على بقاء الجنس البشريّ، وجميع البشر يمارسونه ومجتمعنا العربيّ ليس استثناء طبعا، إلّا أنه يمارسه في السّرّ وهذا أمر مطلوب، ومع ذلك فإنّه يتهيب من الحديث عنه في العلن، بل إنّه يلعنه علانية، خصوصا في وسائل الإعلام، مع أن أجدادنا لم يكونوا هكذا، ففي تراثنا بعض الكتب عن الجنس مثل "الإمتاع والمؤانسة" و "علم الباه في عودة الشيخ إلى صباه" وغيرهما كما أن هناك فصولا كاملة عن الجنس وردت في بعض كتب عيون التراث العربي مثل " الحيوان " للجاحظ و" العقد الفريد " لابن عبد ربه.. وغيرها. كما أنّ الجنس ورد في بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وكتب الفقه من أجل تبيان الأحكام الشرعيّة، وتنظيم العلاقات الجنسيّة بين البشر،وأديبتنا ميسون أسدي تطرق مواضيع كثيرة منها تماهي البعض منّا مع الآخر في لغته ولهجته وتصرّفاته، ومحاولة إخفاء أصله وفصله، ومثل قضايا هدم قرى عربيّة ومصادرة الأراضي الفلسطينيّة، وبناء مستوطنات يهوديّة عليها . في مجموعتها هذه تقصّ الكاتبة عن كيفيّة تفكير البعض بأنّ ما يكتبه الكاتب هو بمثابة انعكاس لمسلكيّات الكاتب نفسه، وهذه مغالطة كبيرة، فالمرأة الأديبة عندما تتغزّل برجل على سبيل المثال، فإنّ حبيبها ليس شرطا أن يكون رجلا من لحم ودم، تماما مثلما هي امرأة الكاتب الرّجل ليست امرأة من لحم ودم، فكلاهما متخيّل. وقد أدرك ذلك أسلافنا منذ مئات السّنين عندما قالوا بأنّ "ناقل الكفر ليس كافرا". كما تطرح قضيّة عدم الاهتمام بالكتاب أو بالكاتب، فثقافة اقتناء الكتاب ومطالعته تكاد تكون مغيّبة، فكثيرون يريدون الكتاب مجانا، بل ويريدون خدمات مجانيّة من الكاتب أيضا. ولست هنا في مجال التّفصيل عن قصص الأديبة ميسون أسدي، فمهما كتبنا عنها فإنّه لا يغني عن قراءتها. يبقى أن نقول أن ميسون أسدي تمتلك لغة سلسة انسيابيّة، لا ينقصها عنصر التّشويق رغم مرارة المضمون، وهي قادرة على السّرد القصصي، وقدّمت لنا قصصا متكاملة فنيّا، وإن خالط بعض نصوصها أسلوب الحكاية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق