الاثنين، 23 مارس 2015

دور الـ” كاكا ” في تاريخ العراق بقلم : البروفيسور محمد الدعمي



أ.د. محمد الدعمي

” .. إذا كانت القضية الكردية قد جايلت تاريخ الدولة العراقية منذ بدايتها حتى الآن، فإن للمرء أن يلاحظ أن القيادات الكردية، على تنوع مشاربها ودوافعها، قد باشرت نضالها على أساس من المطالبة بالحقوق الثقافية واللغوية في البدايات الأولى، نظرا لأن هذه المطالبات لم تكن سوى العتبة الأولى على سلم الصعود الى مطالب أخرى أكبر وأكثر تطلعا،”
ــــــــــــــــــــــــ
في سياق البحث العلمي الجاد في آفاق مستقبل “الدولة العراقية”، لا مفر من رصد وتحليل ما أصطلح على تسميته بـ”القضية الكردية”، نظراً لأهميتها القصوى وبسبب إندماجها بتاريخ هذه الدولة القصير من 21-1920 حتى اليوم، ومروراً بسنة 1932، تاريخ الإعتراف بالعراق وإنضمامه لعصبة الأمم المتحدة.
وإذا كان إشرافي على “ملف الكرد” الذي نشرته مجلة (المعرفة) السعودية قبل عدة سنوات قد أهلني لمعرفة المزيد عن الكرد وللإستزادة، فان بحثي القادم لايمكن أن يتجاوز هذا الموضوع المهم الخاص بمكون أساسي من المكونات السكانية للشعب العراقي.
ولذا وجب إدراج ملاحظات وخلاصات أساسية عدة في تاريخ هذه القضية المهمة، إبتداءً من تعاون المرحوم محمود البرزنجي مع القوات البريطانية على طريق إعلان إستقلاله بدولة كردية، عبر كردستان الجنوبية، الى هذا اليوم حيث يزداد المشهد تعقداً وشائكية بين بغداد وأربيل لأسباب عدة، من أهمها الخلافات الجغراية والسكانية (خاصة حول كركوك بالذات) وصراعات إقتسام الثروة الوطنية وتوزيعها، يداً بيد مع توزيع الوظائف الحكومية الأساسية المسؤولة عن إدارة الدولة العراقية، وإدارة إقليم كردستان العراق كذلك.
وإذا كانت القضية الكردية قد جايلت تاريخ الدولة العراقية منذ بدايتها حتى الآن، فإن للمرء أن يلاحظ أن القيادات الكردية، على تنوع مشاربها ودوافعها، قد باشرت نضالها على أساس من المطالبة بالحقوق الثقافية واللغوية في البدايات الأولى، نظراً لأن هذه المطالبات لم تكن سوى العتبة الأولى على سلم الصعود الى مطالب أخرى أكبر وأكثر تطلعاً، كما هي الحال اليوم في عراق ما بعد الغزو الأميركي، 2003.
وإذا لم تكن القيادات الكردية تجاهر بمطلب الانفصال وتأسيس دولة خاصة بالشعب الكردي سابقاً، فمرد ذلك هو الفتك العسكري القاسي والبطش بالسكان الكرد الذي اعتادت عليه الأنظمة الحكومية في الدول الثلاث الأساس التي يتوزع الثقل السكاني الكردي فيها على سبيل إذابتهم، وهي: (1) العراق، (2) تركيا، (3) إيران. لذا كان التوظيف العنيف للماكنة العسكرية من أهم أنماط أسباب الثورات الكردية. وقد توافق ذلك مع محاولات الأنظمة المتوالية في هذه الدول المحورية التلاعب بالتركيب السكاني لبلداهم عن طريق التهجير والاستبدال السكاني و”تعريب” أو “تتريك” أو “تعجيم” السكان الكرد باساليب تقترب كثيراً من طرائق “التطهير العرقي” الممنوعة دولياً.
أما من ناحية القيادات السياسية الكردية، فانها عملت بمثابرة على استثمار المشاكل الداخلية في هذه الدول، زيادة على إستغلال الإحتاكاكات والخصومات العسكرية فيما بينها من أجل خدمة القضية الكردية، كما فعلت ذلك بوضوح خلال الحرب العراقية/الإيرانية 1980-1988، وكذلك في حرب تحرير الكويت (1990).
بيد أن هذا النمط التاريخي في سلوك القيادات الكردية في العراق وتركيا وإيران، لا ينفي قط وجود الخلافات البينية بين هذه القيادات. وقد تركزت هذه الخلافات في عراق نظام البعث على الموارد الإقتصادية وعلى المناورة مع قيادتي البكر/صدام، ومن ثم صدام بعد تنحية البكر للفوز باكبر كم من الإنجازات. وقد كان جل الموارد المالية التي كانت تدر على القيادات المتصارعة آنذاك تأتي ريوع الأراضي الزراعية ومن المساعدات الأجنبية والتبرعات، زد على ذلك موارد الجمارك والتهريب الكبيرة.
لم تكن الصراعات الكردية-الكردية أدنى عنفاً من الصراعات مع المراكز (بغداد، أنقرة، طهران)، فقد تصاعدت في أحيان عدة إلى نقطة الدموية، درجة خسارة المئات من القتلى والجرحى وحتى حدوث التجاوزات.
وإذا كانت الأنظمة الحاكمة المتتالية في الدول الثلاث قد أعملت الماكنة العسكرية القاسية بلا رحمة ضد “التمردات” الكردية، فان نجاح تلك الأنظمة كان دائماً يرتهن بعدم مبالاة دولية، نظراً لاعتماد الأنظمة الحكومية تهم “الإرهاب” ضد القيادات الكردية من أجل كسب الرأي العام العالمي، كما حدث ذلك على نحو واضح مع حزب العمال الكردي PKK الذي وصم بـ”الإرهاب”، ثم القي القبض على قائده اليساري الكبير “عبد الله أوجلان” الذي يلوذ اليوم بالمناورة الذكية من خلال دعوة رفاقه المسلحين في الحزب وعلى الجبال لنبذ التمرد العسكري وإحتضان منطق السلام على سبيل تحقيق مطالب الكرد السياسية والثقافية على أن لا تتجاوز خط الدولة التركية الموحدة الأحمر. وهكذا يبقى الـ”كاكا” صانعا لأحداث ومستقبل العراق وتركيا وإيران على نحو متواصل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق