الأحد، 8 فبراير 2015

دراسة ٌ لمجموعةِ قصائد للأطفال للأديبةِ الشاعرة "عايدة حماده خطيب -


                                        بقلم : حاتم جوعيه – المغار – الجليل                                   


مقدِّمة :   صدَرَ هذا  الكتابُ  عن ( الكليَّةِ العربيَّة  -  حيفا -  مركز أدب الأطفال -  ويقعُ في  24 صفحة من الحجم الكبير، تحلّيهِ  بعضُ  الرُّسومات  المُعَبَِّرة  والملوَّنة  بريشةِ الفنانةِ  " فلادا سليم "، ويضمُّ عدَّة َ قصائد شعريَّة  للأطفال . والكاتبة ُ والشَّاعرة ُ "عايدة خطيب " من  سكان مدينة  شفاعمرو  تعتبرُ  من الكتاب والشُّعراء  المُمَيَّزين  محليًّا ، الذين  يكتبون  للأطفال  من  ناحيةِ  المستوى والأبداع  . 
    ومِمَّا  يلفتَ النظرَ  أنَّهُ  يوجدُ عندنا  نقصٌ  كبير  في هذا  المجال واللون  الأدبي (أدب الأطفال )،على الصَّعيد المحلِّي، وجاءَ هذا الكتاب ليسُدَّ  فراغا وحيِّزًا  كبيرًا أطفالنا  بحاجةٍ إليهِ  . 
   إنَّ الشَّاعرة َ "عايدة خطيب " قد  أبدَعت وتألَّقتْ  فنيًّا في جميع المجالات  الكتابيَّة: في القصَّة القصيرة والخاطرة الأدبيَّة والمقالة السِّياسيَّة  والإجتماعيَّة، وفي القصائد  الشعريَّة -  الحرَّة  والموزنة ... وفي  موضوع  أدب الاطفال بشكل  خاص وَمُمَيَّز  . 

مدخل :    هذا الكتاب  يحوي  في  طيَّاتِهِ  مجموعة َ  قصائد  من الناحيةِ الشَّكليَّة  جميعها تخضعُ لقيود الوزن ، كتبت على شكل ونمطِ  شعر التفعيلة ، ونرى الإلتزامَ  في القافيةِ الواحدة ( في معظم هذه  القصائد ) ممَّا  يجعلها شكليًّا  قريبة ً جدًّا  إلى الشِّعر الكلاسيكي  الموزون . وقد اختارت  شاعرتنا  بحرَ الرَّجز الجميل والخفيف (غيرالمعقَّد) والسَّهل والملائم شكلا ومضمونا وفنا لهذا اللون من الأدب (أدب الأطفال).والجديرُ بالذكر أنَّ معظمَ الشُّعراء العرب  الكبار الذين   كتبوا  شعرًا  للأطفال  اختاروا غالبًا  هذا  البحر  في موضوع الطفل، مثل : الشَّاعر السوري الكبير المعاصر "سليمان العيسى " وأمير الشُّعراء ( أحمد شوقي ) .   ومن  منَّا  لا  يتذكَّر قصيدة َ أحمد شوقي عن  اليمامة التي يقولُ فيها :
( " يمامة ٌ  كانت  بأعلى الشَّجَرَهْ      آمِنة ً     في     عشِّهَا     مُستتِرهْ  
فأقبلَ     الصَّيَّادُ     ذات     يوم ِ       وَحامَ  حولَ  الرَّوض ِ أيّ  حوم ِ ") .  

 ونلاحظ ُ من كتاباتِ عايدة خطيب ( في هذا الصَّدد) أنها  درست  موضوعَ أدبِ  الأطفال  وتفهَّمَت  نفسيَّة َالطفل  وحاجاته  الذاتيَّة  والجسديَّة  والفكريَّة  وبما  يفكِّرُ وماذا  يُريدُ ...هي  توغَّلت  في نفسيَّةِ  الأطفال  ودرسَت عالمهم  الملائكي البريىء ..هذا  إضافة إلى كونها (أمّ ) قبل كلِّ  شيىء يوجدُ عندها  التجربة ُ الكافية العمليَّة والتطبيقيَّة لتربيةِ الاطفال وفهم حاجاتِهم  وفي كيفيَّةِ  سدِّ  النواقص والثغراتِ التي هم  بحاجةٍ إليها .  فكتبت  قصائِدَها للطفل عن علم ودراسيةٍ وبوعي ثاقبٍ مدركٍ وبمسؤُوليَّةٍ  كبيرةٍ، فهذا الجانب مهمٌّ  جدًّا  من الأدب، لأنَّ  طفلَ اليوم سيصبحُ  في المستقبل رجلا وعنصرًا فعَّالاً  في المجتمع وربَّ أسرةٍ . وهو بحاجةٍ  منذ البدايةِ  إلى تربيةٍ  صحيحةٍ  وتقدُّميَّة ولإعطائِهِ  مادّة  تثقيفيَّة  تعليميَّة  سليمة  وإيجابيَّة  هادفة  لإرشادِهِ  وتنويره وهديهِ   ووضعهِ  في  الموقع  الصَّحيح   ودفعه  إلى  شطِّ  الأمان  وطريق الصَّواب القويم . 
      وفي  معظم الاحيان  تتكوَّنُ  وتتبلورُ  شخصيَّة ُ الطفل  حسب  المحيط والمكان الذي ينشأ  فيهِ  وبنوع المعاملةِ التي يتلقاها والتوجُّه الذي  ينالهُ  في جوِّ الأسرةِ  والمحيط الذي  يحياهُ .. ( الأسرة  والأقارب  ثمَّ  الأصدقاء  في المدرسةِ  وخارجها  والمعلِّمين .. إلخ . )  فهذه الأشياء والعناصر المذكورة هي التي  تحَدِّدُ  للطفل  شخصيَّته  وتكوِّنُ   معالمَ  وجوانبَ  نفسيَّته  وثقافته  وهويَّته  كليًّا  فيما بعد  في نمطِ  طريقةِ  سلوكهِ  وتصرُّفاتِهِ  وطباعِهِ بشكل ٍ عام، خاصَّة ً بعدما يترعرعُ ويدخل في  جيل المراهقة  ثمَّ النضوج  الكامل  الفكري والجسدي ومرحلة الشَّباب . 
   ثقولُ  في إحدى قصائدها  مثلا - بعنوان " حلم "  : 
( " إنَّ    أشهَى    الألعاب ْ           //     في      يدِ      صديقي  // 
    لا      أذهب      لأمِّي             //    لأنَّنا      في      ضيق ِ  // 
    بل     أخلُدُ       لنومي             //    وَحُلمي           رفيقي    //
    فألعبُ             بطابةٍ              //    زرقاءَ          كالسَّمَاءْ    //
    وأعتلي          درَّاجة ً              //    تطيرُ           كالهَوَاءْ     //
    وفي  الصَّباح ِ  أصحُو               //   بالعزِّ          والهناءْ...    // ") .

      هذه القصيدة ُ  على بحر الرَّجز  كما هو  واضحٌ ،  وفي بعض المقاطع  نجدُ  شاعرتنا تخرجُ  قليلا عن روتين  وقيود الوزن بشكل  تكتيكي إنسيابي  متقن  وتبقى القصيدة ُمتجانسة ً متناغمة ً  في معانيها وعباراتِها  وموسيقاها  وإيقاعها الجميل الذي  يطربُ  لهُ الكبير والصَّغير . 
   ونرى في قصائدِهَا  البعدَ  الثقافي والفنِّي  والتربوي  والفلسفي والإنساني  الشَّامل . وقصائدُها  في هذا المضمار تصلحُ مادَّة ً تثقيفيَّة ً وتربويَّة للأطفال  وللكبار أيضا ( كموضوع  تثقيفي  وأدبي )، ورغم  المستوى العالي  للعديد من قصائدِها  في أدبِ الاطفال  فيفهمها حتى الطفل البسيط  وتحثُّهُ  وتحفزهُ على التفكير والتأمُّل  وتشغيل دماغهِ  لأمور عديدة  .  وهي  تذكرنا  بكتاب "كليلة ودمنة "لإبن المقفع الذي ألَّفهُ على ألسنةِ الحيوانات ويصلحُ  للصغار  وللكبار .  وكانَ يهدفُ ابنُ المقفع من  وراء  وضع  كتابهِ  هذا  لأمورٍ هامَّة سياسيَّة وإنسانيَّة، ومنها: إنتقاد  نظام الحكم آنذاك في العصرالعباسي وانتقاد  الخليفة الخليفة بشكل خاص ونهجه وتصرُّفاته وطريقة حكمهِ غير الصَّالحة والعادلة في الرَّعيَّة. فكتبَ وأملى ابنُ المقفع ما أرادَهُ على ألسنةِ الحيوانات .  
 وشاعرتنا عايدة خطيب تهدفُ أيضا كما هو واضحٌ  في قصائدِها  للأطفال إلى أبعادٍ أخرى  عديدة  ، منها : السِّساسيَّة ومنها  الإجتماعيَّة   والإنسانيَّة .   وكتبت  قصائدَهَا  مختصرة ً (غير مطوَّلة )  تفاديًّا  للملل  والتكرار، وترفقا  بنفسيَّةِ الطفل ومزاجه ومشاعره، فالطفلُ  بحدِّ ذاتِه  ليسَ لديهِ النفس الطويل والطاقة  الكبيرة للصَّبر في  سماع   المادَّة  أو القصيدة  الطويلة   بتمَوُّجَاتِها  ومواضيعِها المتعدِّدة . فالقصيدة  إذا كانت قصيرة ً فبإمكان الطفل إستيعابها  كاملة ً وفهمها  وتذوُّقها وحفظها غيبًا  وبسرعة .  تقولُ عايدة  خطيب أيضا في  إحدى  قصائدِها ( على بحر للرَّجز ) :
( " أحبُّ   أن   أعومَ   //    في    داخل    البحارْ  //
     ووالدِي   مشغولٌ    //    يقولُ        باختصارْ   //
     سأحضرُ    البحرَ    //   إليكُمْ     يا     صغارْ   //
     فنبني        بركة ً     //   بجانبِ         الجدارْ    //
     فتنزوي   أحلامُنا       //   يلفها           حصارْ    // " ) .  

   وتقولُ في قصيدةٍ أخرى بعنوان :  ( أكرهُ الحَمَّام ) ،على بحر الرَّجز :
( " لا    أكرَهُ    الحَمَّامْ  //   بل   أكرَهُ    الصَّابونْ   //
     يسري على الجفونْ   //  ويحرقُ         العيونْ    //
     فيملأ          الحَمَّامْ    //  بكائيَ         الحزينْ     //
    أمِّي تضمُّني لصدرها الحنونْ   //   
    تقبَّلَ           الخَدَّينْ     //   وتمسحُ      الصَّابونْ   //
    تقولُ    في     حنانْ      //  تسلمُ    لي   العيُونْ     //   " ) .     

   وفي قصيدتها بعنوان : ( أحبُّكم  لو تسمعون )- على بحر الرّمل  تقول :
( " قد  يعاتبني  الطفلُ   يومًا  //    إن     بدَا   الطفلُ   خجول ْ  //
     لم    يَخُضْ   أيُّ   نقاش ٍ   //    ولديهِ       ما         يقولْ    //
     يتحاشَى      نقدَ      قوم ٍ    //    نعتوهُ             بالجَهولْ     //  
     لا   تخَفْ   إبداءَ   رأي ٍ     //   واجعل ِ    العلمَ    رَسُولْ      //
     إن  سألتَ   زدتُ  علمًا      //   حيرة ُ    الأمس     تزولْ       //
     لا  تقل  بالصَّمتِ  أنجُو      //    فهْوَ       قيدُ       للعقولْ        // ") .   

        وبدون الحاجةِ  إلى  التوغُّل  في  معاني هذه  القصيدة  التي عرضتها   وتحليلها بشكل ٍ مُسهب ... فبإختصار  شديد  نحنُ  نجدُ  فيها  بوضوح  مادَّة تعليميَّة تثقيفيَّة الصغار والكبار،كما أنَّهُ يتماوجُ  فيها البعدُ القومي  والوطني  والإنساني والرُّؤيا  الفلسفيَّة  الشُّموليَّة  للحياةِ والمستقبل .
    وفي نهايةِ هذا المقال ( البحث) اتمنى للكاتبةِ والشَّاعرةِ والأديبةِ  المُبدعةِ ( عايدة خطيب ) المزيدَ  من  العطاءِ الأدبي  المميّز ( الشِّعري والنثري ) ، ونحنُ على انتظار  كلِّ  ما هو  جديدٍ  من  إنتاجها  .   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق