الاثنين، 12 يناير 2015

المسلمون والغرب: شد وجذب خطيرا بقلم البروفيسور محمد الدعمي




أ.د. محمد الدعمي
” لاحظت في كتابي الأخير (تخنيث الغرب) بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2014، أن فكرة الإرهاب الأساس إنما هي فكرة انتقامية وثأرية تقوم على رد الصاع صاعين للعالم الغربي لأنه كان قد استثمر عصور التراجع والنكوص في العالم الإسلامي في سبيل تأنيثه واستغلاله على نحو ذكوري يخضعه ويحط من شأنه.”
ــــــــــــــــــــــ
بينما يرى بعض المسلمين أن إوروبا والعالم الغربي عامة إنما يدفعون قوائم عصر الاستعمار المتراكمة عليهم باستقبالهم وتوطينهم للمهاجرين من آسيا وأفريقيا، يرى العالم الغربي أنه إنما هو يحاول مساعدة الآسيويين والأفارقة، ليس فقط من خلال إمتصاص فائض قوة العمل من تلك القارتين البائستين، ولكن كذلك من خلال السماح لها بتحويل مدخولاتها إلى بلدان المنشأ على سبيل المعاونة.
بيد أن هذا الجدل المختزل بأسطر قد تعرض لرجة قوية بعد ظهور “القاعدة” والشبكات الإرهابية المماثلة، إذ لم تعد الحكومات الغربية تباشر الأفارقة والآسيويين من منظور “الإحسان” أو “إسداء الجميل”، لأن أحداث باريس الأخيرة، زيادة على أحداث لندن 2005 والنرويج وقطارات مدريد وباريس راحت تلقي بظلال الشك على وجود المسلمين مضمومين داخل النسيج السكاني الغربي، على نحو لا يسمح للعقل الغربي إلا بمباشرة كل مسلم (آسيوي أو أفريقي الأصل) إلا بوصفه “إرهابياً محتملاً”، الأمر الذي يقود إلى غاية مايخشاه الجانبان، الغربي والشرقي، وهو حقن النزعات الفاشية والنازية في العالم الغربي بأمصال الحياة على سبيل إعادة المعادلة، معادلة هذه العلاقات، إلى سابق عهدها، أي إلى عصر الاستعمار أو العصر السابق له.
أما إذا حدث هذا الانتفاض ضد الآسيويين والأفارقة، المسلمين منهم خاصة، فإن عجلة التاريخ ستدور على نحو معاكس للتيار كي توقظ الضغائن والتحاملات والخيلاء على النحو الذي ينطوي على نظرة دونية للمسلمين عامة بدعوى أنهم لم يحسنوا التصرف بما وهبهم “العالم الحر” لهم!
لاحظت في كتابي الأخير (تخنيث الغرب) بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2014، أن فكرة الإرهاب الأساس إنما هي فكرة انتقامية وثأرية تقوم على رد الصاع صاعين للعالم الغربي لأنه كان قد استثمر عصور التراجع والنكوص في العالم الإسلامي في سبيل تأنيثه واستغلاله على نحو ذكوري يخضعه ويحط من شأنه. لذا ترنو الشبكات الإرهابية (القاعدة وأخواتها ومثيلاتها) الى قلب جدل العصر الذهبي للكولونياليات الأوربية والغربية عامة من خلال “تخنيث” العالم الغربي توجيه ضربات وهزات عنيفة اليه، عسى أن يعود لرشده ويتخلى عن النظرة الدونية للمسلمين في آسيا وأفريقيا، باعتبار أن “الجبروت دائماً على حق” Might is Right، كما يقول المثل، للأسف.
لا مفر من أن يواجه المسلمون عبر المجتمعات الأوروبية موجة من الغضب والكراهية من النوع الذي سيحاول “تنقية” البنى السكانية لتلك المجتمعات من مصادر الخطر التي تقض مضاجعها وتؤرق حكامها. وهذا هو غاية ماترنو اليه العصبيات على أنواعها، خاصة الإثنية والدينية، أي أن يحاول العالم الغربي طرد المسلمين “المطبّعين” من الذين يحملون جنسيات البلدان التي يحيون فيها، وهي حال من التعامي الذي قد لا تحمد عقباه حتى بالنسبة لدول المنشأ التي جاءت منها كتائب الإرهابيين الفاعلين والإرهابيين المحتملين والداخلين في سباق مؤقت.
سيزداد التعقيد شوكية وتفاعلاً لأنه سيحرق الأخضر واليابس، كما يقال. ولن تكتفي الحكومات في العالم الغربي بالتخلص مما يهددها من داخل أحشائها، بل هي ستحاول أن تجعل الدول الآسيوية والأفريقية (دول المنشأ) تدفع من مستويات العيش والحياة فيها على حساب مستقبلها، إذا ما تفاقمت الضغائن إلى هذه الحدود الخطيرة. وكلمة أخيرة، لا يتمنى المرء أن ينقسم العالم إلى نصفين متنافرين يريد كل منهما الشر بالآخر لفرض هيمنته عليه، لأن في ذلك عود الى بدايات كنا نعتقد بأنها قد طويت بسلسلة حروب وحربين عالميتين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق