الاثنين، 26 يناير 2015

قراءة في رواية (أَعْشَقُني) للأديبة الأردنية الدكتورة سـناء الشعـلان بقلم النّاقد العراقيّ :أحمـد طه حاجـو





(أَعْشَقُني) يتبادر إلى الذهن منذ الوهلة الأولى للقارئ أنّها رواية رومانسيّة،وتتكلم عن قصة حب فقط،أو أنها خيالية،وتتحدث خارج الزمن،لكن الحقيقة أنّها لم تتناول قصة عاشقين فقط،بل اختصرت تاريخ البشرية وموروثاتها وعاداتها ومعتقداتها وطبائعها وزيفها وآلامها وحزنها .استطاعت الكاتبة من خلال خيالها أن تنير فكر القارئ،وأن تأخذه لفضاء رحب من خلال ثراء روايتها بالدلالات والمعاني والصور الكثيفة،فقد كانت تثير أسئلة نائمة،وتحفزها على النّهوض،وتضع إجابات،ونراها تقفز من زمن المستقبل إلى الماضي ومن الحاضر إلى المجهول .    رواية (أَعْشَقُني)هي عبارة عن مزيج متجانس من السريالية والرمزية والواقعية والرومانسية المفرطة وأيضاً احتوائية،أي جمعت الوضوح مع الحلم مع الافتراضية مع رسوخها بالواقع. ونرى من خلال رسائل خالد لحبيبته شمس وخزات وتنبيهات مستترة توخز بها رجولتنا وضمائرنا علنا نستفيق وننتفض للمنطق الإلهيّ الذي يتعمد البعض تجاهله .   رشاقة الكلمة وعمقها والأسلوب البليغ لدى الكاتبة يأخذنا بين الحين والآخر إلى جواء وردية رومانسية هي بمثابة ومضات ترويحية كي تزيل الشجن والألم المثني بين طيات حياة شمس .كما أنّ الكاتبة اعتمدت في بناء روايتها على الخيال العلمي والافتراضية المبالغ بها والتلاعب بالزّمن،وهذه الفنتازية المزدوجة أضافت عنصر الدهشة والاثارة والتشويق للرواية .وبطريقة الساحرة العارفة كانت توزع الكاتبة زهورها كما تشاء،مما أدّى إلى شد فكر القارئ وكتمت أنفاسه منذ البداية كي يبقى يقظ وفارض رغبته في مواصلة في القراءة . هذه الرواية ذكرتني بمسرحية ( حياتنا السعيدة ) لبيكيت . حيث الرّمزية والعمق.اختصرت الكاتبة الشعلان النساء بشخصية شمس،وأظهرت كيف للمرأة أن تكون،فكانت شمس أسطورة زمانها حيث لا أتوقّع من أيّ قارئ للرواية أن لا يقع في غرام شمس،كيف لا وهي الناكرة لذاتها والمضحية والصابرة والمنتظرة لحبيبها والمخلصة له والناقمة لعادات القبيلة البالية والأنظمة غير عادلة في شتى بقاع المعمورة،فقد واجهت الظلم،وعبّرت عن رأيها،ودافعت عن حقها،ولم تستسلم رغم تعرضها للتعذيب من قبل السلطة الكونية .ثم نجد أنفسنا نقف احتراماً وإجلالاً لخالد محبوب شمس . الأسمر الذي استطاع بعفوية وعقلانية ومنطقية أن يجعل شمس تعشقه حتى النخاع، وأن لا ترى الدنيا إلاّ من خلال عينيه.كانت هذه دعوة لأن نعيد النظر بعلاقاتنا الإنسانية وكيف يجب أن تكون . لم تكن رواية أَعْشَقُني رومانسية فقط كما أسلفت،بل كانت رسالة احتوت الإنسانية كلها .    الرسائل التي كان يرسلها خالد لشمس والقصص المكتوبة لابنتهم ورد التي لم تولد بعد كانت عبارة عن صورة ومعاني سخرتها الكاتبة بنسق هادف سلس كي تمرر من خلالها رسالتها الإنسانية وهدفها المرجو . فقد استبعدت الكاتبة الرتابة والنمطية التي كانت من الممكن قد تولد .
   وفي الفصل السابع نجد تمرّد شمس على قانون حكومة المجرة عندما منعوها من إطلاق شعرها التي كانت تعتبره رمز أنوثتها وجمالها، وتعرضت بسبب معارضتها لمجتمعها للتعذيب والسجن .كانت تلك الصورة دلالة واضحة وترجمة لاضطهاد المرآة وفق معاير مجتمعاتنا التي تصرح علنا باحترام الحقوق وبالخفاء تفعل نقيضه .   فالرواية تعيد لنا رغبتنا النائمة نحو الإحساس بالرومانسية واللحظات الحالمة التي ينبغي أن نعيشها،وأيضاً تحارب ما يهين إنسانيتنا، والمفروض علينا والذي استسلم له الأغلبية من مجتمعنا .   رواية (أَعْشَقُني) احتوت زمناً نعيشه بكل تفاصيله الدقيقة،وتعطي لنا الحل الأمثل لما يتبغي أن يكون . ‘ذن لم تكن(أَعْشَقُني) رواية أدبيّة فقط بقدر ما كانت إصلاحية إرشادية تحمل بين طياتها رسالة السمو بالإنسانية المفقودة في زمننا العربي .   كما نرى أنّ هناك دعوة للرجل للإحساس أكثر بالمرأة وبأحاسيسها وآلامها ومشاعرها،حيث جعلت الرجل بذهنه يحتوي جسد شمس،وجعلت جسد شمس يحتوي ذهن الرجل وبهذا الانصهار بالأخر نرى أنّ الكاتبة أكدت بصورة سحرية على ضرورة الأحتواء والاحتياج المستمر بين الرجل والمرأة لا ماديا فقط كما متعارف عليه حاليا،بل قصدت الاحتواء الفكري والروحي من قبل الطرفين كي تزهر وتنمو حياتهم وكي ينيروا طريق الأبناء والمجتمع معا.ونرى من خلال الحوارات للرجل صاحب الذهن الذي احتواه جسد شمس والتساؤلات التي آثارها والأجوبة المنطقية التي توصل إليها. أبرزت كينونة المرأة جسديا وعاطفياًا ما جعلت الرجل يغير نظرته العدائية الأولى لها وحولتها إلى عشق حتى النخاع وذلك لتضحيتها وسمو نفسها وبعد نظرها.كانت هناك دعوة للنساء للبحث عن الحب الخالد السامي والنقي .وظفت الكاتبة فكرتها كي تبحث بكل تفاصيل المرأة ابتداءً من الجسد وأسراره حتى العلاقة الزوجية الروحية التي اعتبرتها أساس السعادة والآمان.
  الحبّ هو البعد الخامس للأشياء والحياة والوجود وبدونه لا حياة ولا أمان ولا منطق . وتطرقت الكاتبة للغربة والعزلة الحارقة التي تعاني منها المرأة بطبيعتها وكيف تكون أسيرة لمواقفها عندما ترتبط حياتها بإنسان . وأكّدت لكاتبة أنّ سر رخاء البشرية يكمن في الإيمان ورضى الخالق وعدم الخروج على طاعته وتعاليمه.   لقد كانت هناك دعوة مباشرة للرجل للغور والبحث بشؤون المرأة عندما سألته في الصلاة رقم سبعة . كيف لا تعرف كيف تسعدني ؟
   والنقد اللاذع للحرب تجلّى في نبض شمس لحبيبها الغائب منذ بداية الرواية والمخلوط بصورة الحرب ولوعة الانتظار المقيت والقاسية التي تعاني منها جميع نساء الأرض والتي مثلتهم شمس .  كانت رواية (أَعْشَقُني) عبارة عن دستور منمق للعيش بحب وأمان وسلام وإحساس بالآخر . لقد وفقت الكاتبة بأخذنا معها برحلتها الفضائية الافتراضية،لكنّها لم تعد بنا للواقع،بل تركتنا نستمتع بالنجوم والجمال والسحر .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق