السبت، 3 يناير 2015

على أعتاب 2015: كذب المنجمون بقلم البروفيسور محمد الدعمي


أ.د. محمد الدعمي
لم يكن ابن عمة زوجتي، العلامة أ.د. حسين علي محفوظ، يقدم على فعل شيء مهم في حياته دون “الاستخارة” بالقرآن الكريم، فكانت هذه من سجاياه اللطيفة التي أحبها أصدقاؤه ومعارفه، خاصة بعد أن راحوا هم لا يفعلون شيئًا ذا بال دون أن يقصدوا العلامة محفوظ لمساعدتهم على الاستخارة. ولكن فكرت كثيرًا، لم لا يفعلون ذلك بأنفسهم؛ فيتشبثون بغزارة علمه وصدق تدينه، وهذا يعني أن الاستخارات تختلف حسب طرائق ومداخل الأفراد؛ ثانيًا، أنها غير ثابتة النتائج بالمطلق. الموضوع كله يحتمل قدرًا كبيرًا من الغيبية، لا شك.
تنطبق ذات الحال هذه الأيام على ملايين البشر الذين يقصدون مواقع الأبراج وفتاحي الفأل وصفحات النبوءات، على الرغم من أنك إن أمسكت بواحد منهم وهو يدخل غرفة فتاح فأل فإنك ستلاحظه متحرجًا ومرتبكًا، خاصة عندما بقي مذ شب حتى شاب يكرر بأنه إنسان عملي وعلمي، لا يؤمن بالغيبيات والخرافات، بوصفها “خزعبلات”. إذًا لماذا يعمد إلى قارئة الطالع أو قارئة الفنجان خلسة، بعد أن يكون متأكدًا من الإفلات من حدقات الآخرين؟ أسئلة طريفة تستحق الرصد والتأمل المتأني.
ثمة طرائف أخرى تتصل بهذا الموضوع “الزئبقي” بجدارة، ومنها أن الرجل، إن وجد ابنته قد زارت فتاحة فأل أو قارئة فنجان، فإنه غالبًا ما يفقد أعصابه حد التكهرب ونهر ابنته أو أخته أو زوجته، لأنه يعتقد بأن معرفتهن بـ”الماورائيات” تخرجهن من نطاق سيطرته وطاعته اللتين يطلق عليهما وصف “حمايته” لهن.
بل إن صاحبنا الذي يعلن أن النبوءات والاستخارات السنوية من “الخزعبلات” التي لا طائل منها، مستذكرًا بيت أبي تمام في فتح عمورية: “كذب المنجمون ولو صدقوا” لقطع الطريق على المؤمنين بالخرافة والغيب. هو يؤمن، في دخيلته، بهذه الغيبيات، بيد أنه يسعى جاهدًا لوصف اللوذ بها، بالـــ”أنثوية” بوصفها من اهتمامات “النسوان” من “ناقصات العقل والدين”، لأنهن لا يؤمنن بقيم العمل والإرادة و”الرجولة”، الأمر الذي يفسر بحثهن عن قارئات الفنجان وقارئات الكف والضاربات على الرمل. ولكن راقب هذا الرجل المتشبث برجولته وبواقعيته، وانظر إليه كيف يبحث هذه الأيام عن بارقة أمل في نجاح ما في العمل أو مع امرأة سوى زوجته، بين صفحات التنبؤ والأبراج على شبكة المعلومات الدولية، الإنترنت. ما هذه الازدواجية وما هذا التشبث بالماورائيات وبالغيبيات، بعد دفعها نحو صنف الأسطورة والخرافة والدجل؟ من هو الدجال، إذًا؟ ذلك الذي يذهب سرًّا إلى قارئة الفنجان ويمنع نساءه عن ذلك، أم تلك التي تذهب نيابة عنه، محملة باسم أمه، إلى قارئة الفأل؟
السؤال الأهم هذه اللحظة هو: كيف نبرر وندرك لجوء الملايين من الشبيبة العربية بهذا النوع من الغيبيات والنبوءات، دون أن يلوذوا بإرادة العمل الحقيقي ودون أن يلوذوا بإرادة اتخاذ القرار الواثق الذي لا رجوع عنه؟
لا ريب في أن ظاهرة الجري وراء “النصيب” كانت ولم تزل من أهم الانتقادات التي يوجهها العقل الغربي للمسلمين والعرب عامة، بوصفهم غيبيين وغير عمليين، جزءًا من شرق طافِ على عالم لا زمني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق