السبت، 11 أكتوبر 2014

علي بابا: كيف وضع الشيوعيون رأس المال في جيوبهم؟

علي بابا: كيف وضع الشيوعيون رأس المال في جيوبهم؟

أ.د. محمد الدعمي 
2/10/2014
طالما شعر الصينيون بضغوط الظلم والغبن في صلاتهم بسواهم من شعوب الأرض, خصوصاً أنهم كانوا دائماً يعدون أنفسهم عنصراً أرقى وأسمى من جميع الأمم, مرتكنين إلى تراث حضاري غائر في القدم يتفوقون به على بقية شعوب الأرض. لذا كان رد فعل الصينيين عنيفاً ضد القادم الكولونيالي الأوروبي الذي عد الصين مجرد سوق ومجهز للمواد الأولية التي تدخل في الصناعة, فعامل أهلها على نحو دوني, لدرجة كتابة البريطانيين على ابواب نواديهم الخاصة: “يمنع دخول الحيوانات والصينيين”!
لذا حازت الثورة الشيوعية على تأييد ملايين الصينيين لأنها وفرت لهم الغذاء والعمل بعد أن أوشكوا على التلاشي بسبب أزمات المجاعات وبسبب اعدادهم الهائلة وانتشار الأوبئة والإدمان على الحشيش بين فئات مجتمعية واسعة. لكن علينا أن نعترف, مع ما أنجزته الاشتراكية لصالحهم, بأن الشيوعية, التي حلت مشكلات الفوائض السكانية شكلت لجماً, بل وبتراً للحريات وللعبقريات, خصوصاً على عهد الثورة الثقافية بقيادة الرئيس الراحل “ماو تسي تونغ” ورفيقه “شو إن لاي”. ولكن من أعماق ذلك العهد الشمولي المتعامي, ظهر شاب من مجايليه, اسمه جاك ما” كان هذا الشاب ذكياً لكن قبيح الشكل بسبب استدارة وجهه وضعف بنيته وقصر طوله لدرجة فشله في الحصول على أية وظيفة, بعدما قدم أوراقه للتعيين لعدد كبير من الشركات, زيادة على فشله بالحصول على فرصة تعليم جامعي رفيع.
لم تلجم هذه العقبات جاك ما, فتوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية حالماً بتحقيق المعجزات, كما يفعل الذين يقصدون “العالم الجديد”. وهناك سمع لأول مرة بشيء اسمه “الكومبيوتر”, فحاول سبر أغواره واستكشاف آفاقه لتوظيفها في مشروع كبير, يغنيه عن الدراسة والوظيفة في آن واحد, فكان هذا الاكتشاف العتبة الأولى إلى عالم الشهرة والإبداع.
لذا حاول هذا الرجل الذكي “الدميم” أن يستثمر معطيات التقنيات الأميركية المعقدة, من ناحية, وأعداد السكان الهائلة في الصين وسواها من دول آسيا والعالم عناصر لمشروع يعتمد التجارة ونقل البضائع المستوردة من الأماكن التي تفيض منها إلى الكتل السكانية المتعطشة لها, الأمر الذي قاده إلى مشروع التجارة الإلكترونية وهكذا, إرتد هذا العقل الصيني التجميعي إلى تراثنا الإسلامي فاستعار اللفظ “علي بابا” عنواناً لشركته التي تأسست العام 1990 من بطون (الف ليلة وليلة) كي تكون أعظم وأغنى شركة في العالم اليوم, وأقصد شركة “علي بابا” التي قلبت البورصة في أميركا والعالم الغربي عندما فاقت أسعار أسهمها أسعار اسهم جميع الشركات الكبرى, ومنها (EBay) وأمازون (Amazon), من بين سواهما من الشركات العملاقة هي شركة تسوق للمرء وللمجاميع السكانية أي شيء وكل شيء حرفياً. لذا فللمرء أن يشتري كل ما يخطر على باله فقط من خلال الذهاب إلى موقع “علي بابا”: كل ماتحلم به, وكل مايستطيع المال إبتياعه حرفياً, مادام المطلوب غير ممنوع من التداول قانونياً. هي شركة تنجز 30 مليون صفقة بيع وشراء يومياً! فلك أن تتخيل.
يقول “جاك ما” هذا الرجل العصامي الذي لقن نفسه اللغة الإنكليزية بلا معلم ولا مدرسة, بعد أن فشل في اختبارات الالتحاق بالجامعات مرات عدة وربما كان هذا الإخفاق والإيمان بال¯”تشبث الفردي” وراء عدم ثقته بالحكومات, خصوصاً وأنه يعلن صراحة بأنه لم يحصل من الحكومة أو من البنوك الرسمية على فلس واحد, هبة أو قرضاً, لبناء صرحه التجاري العالمي. يقول إنه يتجنب التعامل مع الحكومات, ولكن إذا باشرته الحكومات بطلب حاجة, فانه يتعامل معها بحد أقصى من الدقة والتعاون لإنجاز ماتطلبه, ثم ما يلبث أن يرجو من الحكومات المعنية ألا تعود إليه مرة ثانية.
جاك ما” الدميم الآن من أغنى البشر على الأرض ويدير أسطورة اسمها (علي بابا). هو رغم دمامته وحجمه الصغير يحرص على إقامة حفلات زواج جماعي لموظفيه, لأنه يؤمن بأن الثروة والنجاح يفرضان واجبات على من يملكهما.
 
كاتب وباحث أكاديمي عراقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق