الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

أنماط سلوك إرهابية - الجزء الثاني - بقلم البروفيسور محمد الدعمي




2

أ.د. محمد الدعمي

”.. ان عملية صناعة الأعداء المحليين لتعبئة العصبيات واستنفار الضغائن الطائفية أو الشللية أو القبلية، ثم عدهم خطاً أول من الأعداء، لا تمثل سوى العتبة الأولى للانتقال إلى تهيئة وإعداد العناصر الإرهابية نفسيًّا لمواجهة الأعداء الخارجيين، وأقصد أن هذه الحركات يرتهن وجودها وإعمال نشاطها وتدويره بوقود صناعة الأعداء الداخليين، خطوة أولى للانتقال إلى مواجهة الأعداء الخارجيين،”

ـــــــــــــــــــــــ

رصدت في الحلقة الأولى من هذه المقالة عددًا من أنماط السلوك التي تشترك بها كافة أو أغلب الحركات الإرهابية التي تلبس لبوس الدين، تجاوزاً وتعسفاً، للأسف. وأود في هذه الحلقة أن ألقي الضوء على ما رصدته من أنماط سلوكية إرهابية أخرى، على سبيل خدمة الاستقرار والسلام في عالم اليوم المرتبك والمربك، خاصة عبر إقليمنا.

واحد آخر من هذه الأنماط السلوكية المتكررة يتجسد في انتشار هذا النوع من “الدعوات” للانضمام للشبكات الإرهابية، في البيئات المجتمعية التي يسودها الجهل والفقر والعوز، على سبيل مشاغلة الجمهور وخداعه بآمال إنقاذه وانتشاله مما حاق به من ظلم وتراجع ونكوص. وللمرء أن يلاحظ اين انتشرت هذه الحركات ونمت على نحو سرطاني ومسرطن عبر الشرق الأوسط وبعض الدول الإسلامية للاستدلال على صحة ما اذهب إليه في أعلاه: وللمرء أن يلاحظ أن حواضن الحركات الإرهابية الاجتماعية دائماً ما تكون من النوع الذي ينقصها التعليم والتنشئة الصحيحة؛ بينما هو يلاحظ كذلك أن المناطق والمهادات الاجتماعية الأكثر استنارة وتعلماً وثقافة تكون (على نحو عام) مقاومة وطاردة لأنشطة الدعاية “الدعوية” الإرهابية لأنها تنزع إلى فنون السلام، وليس إلى فنون الحرب؛ إلى البناء وليس إلى الهدم. المدينة غالباً ما تقاوم هذا النوع من الدعاية، خاصة عندما تكون أرفع ثقافة وتحضراً؛ في حين غالباً ما ترحب الحواضن البدوية أو نصف البدوية التي تسودها قيم البداوة وعاداتها، مختلطة مع الجهل والتعمية الثقافية، نقول هي ترحب بثقافة الانتقام والثأر التي ترفع الحركات الإرهابية شعاراتها الوطنية والتحريضية، وهذا موضوع بحث كتابي المذكور في الحلقة الأولى، (تخنيث الغرب).

أما النمط السلوكي الأخطر الذي يمكن رصده في عالمنا الإسلامي، والذي عكسته الحركات الإرهابية فيتجسد في اعتمادها صناعة وتسويق الأعداء على سبيل التعبئة النفسية واستنفار العصبيات لاستقطاب الشبيبة والنشء فـ” الشباب مطية الجهل”، كما قالت العرب، بدليل توظيفها التمايزات الطائفية والضغائن الفرقية وقوداً لإنتاج الضغائن ولتأجيج الصراعات وصناعة الأعداء ثم حث عناصرها المتعامية والسريعة الانقياد إلى مواجهات لم تكن تخطر على بال أحد من ذي قبل.

والحق يقال، فإن عملية صناعة الأعداء المحليين لتعبئة العصبيات واستنفار الضغائن الطائفية أو الشللية أو القبلية، ثم عدهم خطاً أول من الأعداء، لا تمثل سوى العتبة الأولى للانتقال إلى تهيئة وإعداد العناصر الإرهابية نفسيًّا لمواجهة الأعداء الخارجيين، وأقصد أن هذه الحركات يرتهن وجودها وإعمال نشاطها وتدويره بوقود صناعة الأعداء الداخليين، خطوة أولى للانتقال إلى مواجهة الأعداء الخارجيين، في محاولة متعامية لفصل مجتمعاتنا عن العالم ولإعاقة محاولاتها لمواكبة العصر، لأن “الأعداء الأجانب” الذين يمكن أن يكونوا من العالم الغربي أو شعوب وأنظمة الإقليم الشرق أوسطي ذاته إنما يخدمون بؤراً تستقطب جام غضب الإرهاب على “الأعداء” مرحلة فمرحلة، وهكذا دواليك.

لا ريب، في أن الإنتماء إلى هذا النوع من الشبكات إنما ينقل الشبيبة إلى عالم ذي لون واحد، عالم “أسود”، يخلو من المحبة والتعاون تأسيساً على اساطير تفوق وانتصارات تباشر الحضارات الإنسانية بنظرة دونية، على عكس ما فعلته العرب عند خروجها من الجزيرة حيث انتشت العلوم والثقافات مع مجيئهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق