الجمعة، 18 نوفمبر 2011

صالح الزيادنة فارس من الصحراء




صالح الزيادنة فارس من الصحراء

بقلم سهيل إبراهيم عيساوي – كفر مندا

كثيرة هي الوجوه التي تتعرّف عليها بحكم عراكك مع الحياة، والتعامل مع الآخرين في ميادين الحياة المتعددة، وفي كافة أنحاء البلاد من شمالها إلى جنوبها، لأن الوجوه الأصيلة، تجد طريقها إلى القلب بسهولة وسلاسة دون أن تشعر، عندما قررت الدراسة في جامعة بن غوريون في بئر السبع، والتي لم تطأ قدمي أرضها من قبل ولم تحرقني شمسها من قبل، وبحكم اهتمامي الواسع بالصحف والأدباء، استوقفتني صحيفة أخبار النقب، واسم الشاعر صالح الزيادنة، رجل على ملامحه تقاسيم الصحراء والصدق في البداوة ومودة الغير وتحمل المشاق والصبر من أجل سعادة الآخرين، عندما قررنا تأسيس رابطة أقلام الجنوب، في جامعة بئر السبع، لزيادة النشاط الثقافي في الجامعة والمنطقة، والتقارب بين أطياف وأقانيم الوطن ومركباته من الشمال والمثلث والجنوب, ومن أجل إرساء هذا الصرح الجديد ونجاح هذا المولود الجديد، لا بد من الشراكة مع رائد الكلمة في الجنوب، فهو يعرف من أين تؤكل الكتف، قطع شوطاً طويلاً مع الأدب، مع الشاعر صالح الزيادنة، والأستاذ يوسف الطوري، والكاتب كرم أبو مخ، وكفاح عسلية، وحسام غنايم، وسلمان الطوري، معين عيساوي، ومحمد عبد الغني، آمال أبو عمرة، متعب أبو ناصر، كانت هذه النواة للرابطة، فقمنا بإصدار مجلة الينبوع ووزعناها قطرياً 5000 نسخة، وأصدرنا أكثر من عشرة كتب لأعضاء المجموعة، وشجعنا الأقلام الناشئة وأقمنا الأمسيات الأدبية في الجامعة ومدينة رهط وتل السبع والورشات الأدبية، وكثيراً ما كنا نموّل النشاط من جيوبنا الخاصة، وكان للأخ صالح الزيادنة حصة وافرة في نجاح الرابطة ومشاريعها في زمن غابت عنه روح التطوع والمبادرة، فكان يتحفنا بأجمل القصائد، ويشرف على التدقيق اللغوي للكتب والمجلات التي كنا نزفها للقارئ النهم، ولم يتذمر يوماً، أعرف أني كنت أحياناً ألح عليه في انجاز عمل ما للرابطة، فكان إذا أوعد أوفى، وإذا عمل أخلص، وأحياناً يقوم بعمله لساعات متواصلة دون كلل أو ملل همه إدخال البهجة لقلوب الناس وخاصة البسطاء، وحتى بعد حل رابطة أقلام الجنوب، بقينا على اتصال، فقد درّست في مدرسة الرازي بشقيها الإعدادي والثانوي، أيضاً في تلك المدرسة وجد الأستاذ صالح الزيادنة الدعم والمنبر، ومن جهته شارك في كل نشاط ثقافي كنا نقصده، وبعد شق الشارع الجديد بين رهط وبئر السبع، صار الطريق الموصل للمدرسة أقرب والذي يمر من جانب بيته، فصرت أعرج إلى بيته أحياناً نتسامر في أمور الأدب والحياة من حلاوتها ومرارتها، وكان مثالاً للمضيف الأصيل يراعي مشاعر الضيف فلا يثقل عليه بالأسئلة أو يزعجه فيما لا يطيق، وتقدم لنا الشاي أم جمال زوجته ورفيقة دربه، وأصول الضيافة العربية، وبعد تعييني مديراً في مدرسة ابن سينا الابتدائية في كفر مندا، بارك لي وفرح، وكان من أصعب الأمور علي أن اترك الجنوب وأهله، وخاصة الأصدقاء الأوفياء مثل صالح الزيادنة، والنادي الرياضي في مدينة بئر السبع، ومدرسة الرازي بطلابها ومديرها الأستاذ علي القريناوي والذي أكن له كل الاحترام، فقد شجعني كثيراً ووفر لي الدعم المهني والمعنوي، وكل الزملاء من الجنوب والشمال فقد كنا أسرة واحدة حقيقية وزملائي في مدرسة الرازي الإعدادية كانت تربطني بهم علاقة وطيدة، وبعد انتقالي للعيش والعمل في قريتي كفر مندا، الشوق والحنين يشدني إلى النقب وأهله، وكانت محطاتي كثيرة وكان من أركانها زيارة الصديق الشاعر صالح الزيادنة والذي كان يصر على إتحافنا بكرمه الحاتمي، إضافة لزيارة الأصدقاء الأستاذ يوسف الطوري والأستاذ سلمان القريناوي، وصالح الصديق لم تغيره السنين، يحب الوفاء والإخلاص للأصدقاء ويحب أسرته وأولاده، ورهط التي كتب لها أروع القصائد، وهي للأسف لم ترد له الجميل، فهو أول كاتب من الجنوب يصدر كتاباً بعد قيام الدولة، فكان كتابه " جمر ورماد " 1992 قصائد، رغم انه باكورة إعماله إلا أنه لم يأتِ فجّاً كعادة البواكير للشعراء، وأول من أخذ بيد الكتاب الشباب في كتاب "قافلة على الطريق" 1994، وأول من فكر في جمع التراث البدوي لمنعه من الاضمحلال والتزييف، في كتابه "من الأمثال البدوية " 1997، وكتاب "حكايات من الصحراء"، وكتاب "عبارات ومصطلحات من البادية"، وكتاب " المأكولات الشعبية في النقب" وكتاب "المرأة العربية في النقب" وكتاب "الغناء والموسيقى عند البدو" وهذا جهد مبارك موسوعة بشرية متنقلة في مجال التراث البدوي، فقد عرّف الناس على العادات الأصيلة والهوية الحقيقة لعرب النقب ووضعهم على الخارطة الأدبية والثقافية، وحفظ التراث من العبث والضياع، وقد سار على خطاه الأستاذ والكاتب موسى الحجوج في حفظ التراث في سلسلة من الكتب التراثية الموفقة، ولم يكن هم شاعرنا جني الأموال من جهده أو الشهرة بل نشر المعرفة والأدب وقضايا الجنوب الاجتماعية، طبع جميع كتبه على نفقته ووزع معظمها مجاناً على الأصدقاء والمعارف وطلاب المدارس وربما بعضه لا زال مكدساً، بينما المؤسسات المحلية والجمعيات تعرض عن دعم الكلمة والإبداع، إضافة إلى مساهمة كاتبنا في إثراء وإنجاح عدة صحف ومجلات صدرت في الجنوب بفضل مقالاته التراثية والأدبية والتي كان القراء يترقبونها من أسبوع إلى أسبوع، ولم يقبل أن يتقاضى الأجر مقابل جهده فكانت كتابته أهم ما تحتويه الصحف المحلية، في عالم النت اكتشف العجلة على عجل وأدرك كيف يطوع الشبكة العنكوبوتية لصالحه ولصالح أصحابه من كُتّاب في العالم العربي ومحليين، فكان لي نصيب مما أصاب صاحبنا في هذا الباب، فقد بنى لي موقعاً أدبياً ضم معظم كتبي ومواقع أخرى ومحرك بحث بناه عام 1997، أي عندما كانت المواقع شحيحة وطريقة بناء المواقع شائكة ومعقدة وقلة ممن تمكنوا من سبر هذا العلم الجديد، وطبعا بنى له اثنين من المواقع الناجحة على المستوى العالمي وكثيراً ما تعتبر مرجعاً هاماً للصور والمعلومات النادرة والكتب والقصائد.
وقد فاز الشاعر صالح الزيادنة بجائزة الإبداع من وزارة المعارف والثقافة وهو أول من حصل عليها من أبناء الجنوب، وقد طرق أيضاً باب السياسة ورشح نفسه من عائلة الزيادنة في تحالف عائلي واسع ونجح ومثَّل قائمته في بلدية رهط كعضو، وكان مبدئياً لكنه اكتشف أن هذا المجال ليس له فهو لا يعرف المراوغة والتمثيل والانتهازية والضحك على ذقن المواطن المسكين، فسارع إلى الاستقالة وندم على إقدامه على هذا الحقل الحافل بالمخاطر ومخيب للآمال، وساهم في إثراء المكتبة العامة في رهط، في السنوات الأخيرة يحرص على التواصل مع الشمال فيزورني لأن في قلبه حباً لكل أرجاء الوطن وإخلاصا للأيام الخوالي، ولا يتوانى عن السفر إلى الشمال إلى الناصرة وطمرة وكفر مندا للمشاركة في نشاط أدبي أو من أجل إلقاء قصيدة قصيرة، صالح الذي أعرفه ويعرفني، أكبر من أن يعرف في مقالة سريعة.
هو صالح الإنسان الرقيق والخجول والصادق والملتزم بتعاليم ديننا الحنيف، صالح الشاعر والكاتب والباحث، صالح الخبير في علم الحاسوب والانترنت، صالح صاحب القلب الوارف الظلال والزوج المخلص، الإنسان المحب لأهله ومنطقته والبداوة الأصيلة، وهذا الإنسان العصامي الذي تعلم وكسب المعرفة بمفرده وشق طريقه في صحراء قاحلة زرع بها الورود، ولو أتيحت له الظروف في حينه لطرق المؤسسات الأكاديمية العليا وحقق أرفع المناصب والألقاب الجامعية، فكتبه اليوم من أهم المراجع التراثية.
حري بنا نحن وأهل الجنوب عامة أن نقدر هذا الإنسان المميز والجوهرة النادرة في هذا الزمن الأصفر من خلال تكريمه وتشجيعه وإصدار كتبه ونشرها وخاصة أن لديه عدة مخطوطات هامة، فهو فارس حقيقي من الصحراء .